عندما تختفي الثقة يظهر القلق
دروس الأزمة الإقتصادية الراهنة... الأغنياء فقط يستفيدون!

محمد حامد ndash; إيلاف : في الأزمات الكبرى ذات الطابع العالمي والتي يشعر الجميع بآثارها الكارثية، يكون العالم في أشد الحاجة إلى الاستماع لرؤى وتحليلات الحكماء الذين يمتلكون نظرة شمولية فاحصة، وقدرة على التحليل العميق واستقراء ما وراء الحدث، والاستفادة من الأحداث التاريخية المشابهة... صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; نشرت مقالاً من هذا النوع التحليلي للكاتب quot;ديفيد ليونهاردتquot; الذي حلل أبعاد الأزمة الاقتصادية الحالية والتي تشكل تهديد حقيقي لإقتصاديات الولايات المتحدة والعالم أجمع، وفي بداية رصده للمشكلة سرد quot;ليونهاردتquot; قصة تاريخية طريفة لها علاقة كبيرة بتوصيف الأزمة الحالية...

في عام 1929 إمتلك ماير ميشكين محلاً تجاريًا في نيويورك لبيع الملابس. وعندما تعثرت الأسواق في شهر أكتوبر من ذلك العام، استدار إلى ابنه، الذي كان طالبًا في الجامعة وقتذاك، وقال له: إن هذا التعثر يأتي في مصلحة أولئك الأغنياء الأوغاد، وحينما يتم حل هذه المشكلات فالأغنياء أيضًا يستفيدون أكثر من غيرهم.

وبعد عام، ومع تفاقم المشكلات الاقتصادية وزحفها من وول ستريت إلى الاقتصاد الأكبر، أغلق محل ميشكين أبوابه. فقد قل عدد زبائنه ومرتاديه. واضطر ابنه إلى العمل من أجل مساعدة الأسرة، ولم يعد للسيد ميشكين مصدر رزق، وهذه القصة واضحة الدلالة بدرجة كافية. فالعديد من الأشخاص في واشنطن يخشون أن تكون أميركا في طريقها إلى انهيار مخيف. وإلى الآن فقد أثرت الأزمة الاقتصادية على غالبية الأميركيين كما يتضح ذلك من تصريحاتهم. ولهذا فإن شبح الكساد الاقتصادي بالنسبة إليهم من الممكن أن يكون مدمرًا ومبلغ 700 مليار دولار أميركي الذي صوت عليه الكونغرس هذا الأسبوع من الممكن أن يكون غنيمة للأغنياء الأوغاد الأكثر استفادة من الأزمات .

لماذا نتحدث عن الكساد على أي حال؟ سؤال طرحه كاتب التحليل وللاجابة عليه قال ...
استجابت الحكومة بشكل كبير وسريع أكثر مما فعلت حكومة هربرت هوفر في الماضي في مثل تلك الأزمة. فالدولة في الوقت الحاضر أكثر غنى ، كما أن نسبة أصغر من السكان يعيشون على حافة الفقر. ولكن ما زال الكساد الاقتصادي وشيكًا حيث أن الآليات الأساسية للكيفية التي تهاوى بها الاقتصاد إلى حالة من الركود الشديد تبدو مشابهة لتلك التي سببت الكساد. ففي كلتا الحالتين فإن الأزمة الائتمانية هي بيت القصيد.
ففي بداية حقبة ثلاثينات القرن العشرين، فعلى الرغم من كل الذي حدث في وول ستريت، فلم ينهار الاقتصاد الأميركي. فلقد كان معدل إنفاق المستهلك والاستثمار منخفضًا، ولكن ليس بشكل مرعب. وفي نهاية فترة الثلاثينات من القرن العشرين، بدأت سلسلة من الرعب في البنوك. فقد انهارت معظم عمليات الاستثمار التي قامت بها البنوك ، وفي بعض الحالات انتشرت إشاعات بأن عمليات الاستثمار تنهار، وأحاط المستثمرون بفروع البنوك للمطالبة باستعادة أموالهم. وقد أغلقت المئات من البنوك.

إن ما كان يحدث في أزمة ثلاثينات القرن العشرين هو نفسه الذي يحدث الآن. فالأسواق المالية لها صفة العالمية، وليست محلية، ولهذا فإن المشكلة ليست مشكلة سقوط بنك معين أو أعمال معينة، ولكن في أسواق الائتمان. كما أن الأزمة الحالية قد بدأت خطورتها تشتد منذ أسبوعين بعد انهيار شركتي ليمان برازر واستيلاء شركة تيد على المجموعة الدولية الأميركية. حيث أن تلك الأحداث قد أدت إلى وجود مستوى جديد من الخوف. حيث تراجعت البنوك عن تقديم القروض وبدلاً منها قامت بضخ الأموال في شكل سندات خزانة والتي لا تعطي أي فائدة كما أنها جاءت بلا فائدة.

قد تبدو المخاوف الحالية غير منطقية. ولكن لماذا لا تخطو البنوك إلى الأمام وتحاول الاستفادة من معدلات الفائدة المرتفعة الحالية من أجل كسب الكثير من الأرباح؟ ولا إجابة على ذلك، قال quot;ليونهاردتquot;...
هناك سببان رئيسان. الأول هو أن المصرفيين مستاءون من أن المقترضين الذين يبدون أكثر ثباتًا اليوم قد لا يثبتون في الغد. ولهذا فكر في فترة الثلاثينات من القرن العشرين، عندما بدا الاقتصاد الأميركي يتأثر من تقلبات ذلك الوقت.

السبب الثاني معقد قليلاً. فالبنوك تمتلك الكثير من الأصول الطويلة الأجل مثل الرهونات، ولديها الكثير من الديون القصيرة الأجل والتي هي أرخص من الديون الطويلة الأجل. ومن أجل دفع تلك الديون، فهم بحاجة إلى الحصول على قروض قصيرة الأجل.

وفي ظل الظروف الحالية، فإن المصرفيين متوترين من أن البنوك الأخرى ربما تغلق نتيجة الخوف أو تتوقف عن تمديد الائتمان قصير الأجل. وباختصار فقد أدى ذلك إلى انهيار بنك واتشوفيا وبنك جيلتنار في أيسلندا. ومن أجل تجنب مثل هذا المصير، قامت العديد من البنوك الأخرى بتخزين رأس المال بدلاً من تقديم القروض التي تبدو أكثر ربحية. وعندما يتم تخزين رأس المال فلابد وأن تكون حالات الفشل في البنوك أكثر احتمالاً.

إن النقطة الحاسمة هي أن الاقتصاد الحديث لا يمكن أن يعمل بكفاءة عندما لا يستطيع الأشخاص الحصول على ائتمان بسهولة. فالأمر يأخذ وقتًا من أجل أن يصبح الأمر واضحًا، لأن معظم الشركات والأعمال لا تحصل على قروض كبيرة جديدة كل يوم. وقد أدى نقص قروض السيارات في الوقت الحالي إلى انخفاض مبيعات السيارات.

واختتم الكاتب الأميركي تحليله بقوله ... هل من الممكن أن تتزايد الأزمة الحالية، وهل من الممكن أن تقرر البنوك أنها تفقد فرص استثمارية ذات ربحية، دون تمويل الحكومة بمبلغ 700 مليار دولار أميركي من أجل إنعاش وول ستريت من مشاكله المخيفة؟ بالتأكيد. وهل سيكافح الكونغرس من أجل برنامج يمكن تطبيقه وأقل تكلفة ويكون عسيرًا على وول ستريت قدر الإمكان؟ بالتأكيد.

إننا نواجه أزمة حقيقية والعالم أجمع يواجه الأزمة نفسها، والجميع في حاجة إلى فعل شيء من أجل التغلب عليها.