بعد 28 عام على إنشاء مجلس التعاون الخليجي المواطن يسأل:
تكامل اقتصادي ووحدة نقدية واتحاد جمركي أين هي ..؟


الرياض - واس: غدًا سنعود إلى التاريخ، إلى 28 سنة مضت نسترجع بلغة الأرقام مسيرة المد والجزر طوال السنون الماضية مبادئ اقتصادية حاول زعماء الخليج ترسيخها، ولادة التكامل الاقتصادي ونموه ورعايته بين الأخوات الست والسباق مع القوى الإقليمية والدولية اقتصاديًا، لكن التكامل الاقتصادي والوحدة النقدية والاتحاد الجمركي مفاهيم رسخت، وغالبه لم يطبق، فيما يبقى المواطن الخليجي متسائلاً أين هي؟. فالتكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية هو أحد الأهداف الرئيسة التي نص عليها النظام الأساسي لمجلس التعاون. ويمثل النظام الأساسي لمجلس التعاون والاتفاقية الاقتصادية وقرارات المجلس الأعلى المرجعية الأساسية للعمل الاقتصادي المشترك. ولتحقيق أهداف العمل المشترك في المجال الاقتصادي، أقرّ المجلس الأعلى في دورته الثانية (نوفمبر 1981) الاتفاقية الاقتصادية الموحدة لترسم خطة العمل الاقتصادي المشترك ومراحل التكامل والتعاون الاقتصادي بين دول المجلس، ولتشكل نواة البرامج التكاملية التي تم وضعها بشكل مفصل على مدى السنوات العشرين الأولى من قيام المجلس، وتشمل على وجه الخصوص: تحقيق المواطنة الاقتصادية لمواطني دول المجلس، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، وفق خطوات متدرجة، بدءاً بإقامة منطقة التجارة الحرة، ثم الاتحاد الجمركي، فاستكمال السوق الخليجية المشتركة، وانتهاءً بالاتحاد النقدي والاقتصادي وإقامة المؤسسات المشتركة اللازمة لذلك. وتقريب وتوحيد الأنظمة والسياسات والاستراتيجيات في المجالات الاقتصادية والمالية والتجارية، وربط البنى الأساسية في دول المجلس، لاسيما في مجالات المواصلات والكهرباء والغاز وتشجيع إقامة المشاريع المشتركة.

واستعرضت وكالة الأنباء السعودية في التقرير التالي بمناسبة الذكرى الثامنة والعشرين على إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تصادف غداً الاثنين الخامس والعشرين من مايو 2009 أبرز وأهم المنجزات الاقتصادية التي حققتها دول المجلس في نطاق التكامل الاقتصادي.

فقد نقلت الاتفاقية الاقتصادية التي أقرها المجلس الأعلى في دورته الثانية والعشرين (ديسمبر 2001) أسلوب العمل المشترك من طور التنسيق إلى طور التكامل وفق آليات وبرامج محددة، لأنها عالجت بشمولية أكثر موضوعات الاتحاد الجمركي لدول المجلس. والعلاقات الاقتصادية الدوليـة لدول المجلس مع الدول والمجموعات الاقتصادية الأخرى والمنظمات الدولية والإقليمية، وتقديم المعونات الدولية والإقليمية والسوق الخليجية المشتركة، حيث تشمل تحديد مجالات المواطنة الاقتصادية. والاتحاد النقدي الاقتصادي. وتحسين البيئة الاستثمارية في دول المجلس. والتكامل الإنمائي بين دول المجلس، بما في ذلك التنمية الصناعية، وتنمية النفط والغاز والموارد الطبيعية، والتنمية الزراعية، وحماية البيئة، والمشروعات المشتركة. وتنمية الموارد البشرية، بما في ذلك التعليم، ومحو الأمية وإلزامية التعليم الأساسي، وتفعيل الإستراتيجية السكانية، وتوطين القوى العاملة وتدريبها وزيادة مساهمتها في سوق العمل، والتكامل في مجالات البنية الأساسية فضلاً عن أنها تضمنت في فصلها الثامن آليات للتنفيذ والمتابعة وتسوية الخلافات، حيث نصت على تشكيل هيئة قضائية للنظر في الدعاوى المتعلقة بتنفيذ أحكام الاتفاقية والقرارات الصادرة تطبيقاً لأحكامها.

وتأتي السوق الخليجية المشتركة خطوة رئيسة في مسيرة هذا التكامل بعد إنجاز منطقة التجارة الحرة ثم الاتحاد الجمركي الذي تم الإعلان عن قيامه في الدوحة في يناير 2003م إضافة إلى تبني العشرات من القوانين الموحدة والسياسات الاقتصادية المشتركة مثل قوانين الجمارك ومكافحة الإغراق وسياسات التنمية الشاملة والتنمية الصناعية والزراعية والتجارية.

وكان أصحاب قادة دول المجلس قد أقروا مبدأ السوق الخليجية المشتركة في قمة مسقط عام 2001م كما أقر المجلس الأعلى في قمة الدوحة عام 2002م البرنامج الزمني لقيام السوق الخليجية المشتركة ونص على استكمال متطلباتها قبل نهاية عام 2007م.

وتشمل السوق الخليجية المشتركة عشرة مسارات حددتها الاتفاقية الاقتصادية وهي التنقل والإقامة والعمل في القطاعات الحكومية والأهلية والتأمين الاجتماعي والتقاعد وممارسة المهن والحرف ومزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية وتملك العقار وتنقل رؤوس الأموال والمعاملة الضريبية وتداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية.

وتعزيزاً للتكامل الاقتصادي بين دول المجلس واستكمال مراحله وتنفيذاً للبرنامج الزمني لإقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة المقر من المجلس الأعلى في قمة مسقط في ديسمبر 2001م اعتمد المجلس في دورته التاسعة والعشرين التي عقدت في مسقط نهاية شهر ديسمبر 2008 م اتفاقية الاتحاد النقدي المتضمنة الأطر التشريعية والمؤسسية له. كما اعتمد النظام الأساسي للمجلس النقدي.

وقد كان آخر تلك الأنشطة التي تم الاتفاق على جعلها متاحة لمواطني دول المجلس تجارة التجزئة والجملة، حيث أزالت قمة الدوحة الأخيرة القيود التي كانت سائدة مثل اشتراط الشريك المحلي وإقامة المواطن في البلد مقر النشاط والاقتصار على فرع واحد إلى غير ذلك من القيود التي كانت موجودة في بعض دول المجلس.

ويعد نجاح الاتحاد الجمركي عاملاً معززاً للسوق الخليجية المشتركة، حيث يسهل تنقل السلع اللازمة لعمل الشركات والمؤسسات التي يتطلب عملها توفر السلع خاصة تلك التي تعمل في المجال الصناعي والتجاري، إلا أن تأثير الاتحاد الجمركي محدود في نشاط الشركات والمؤسسات الخدمية التي لا تتطلب انتقال السلع بين دول المجلس مثل تلك الشركات العاملة في مجال السياحة والعقار والصحة والتعليم.

وعلى الرغم من وجود بعض العقبات في سبيل استكمال جميع متطلبات الاتحاد الجمركي إلا أن الاتحاد الجمركي لدول المجلس قد أسهم بشكل واضح في زيادة التبادل التجاري بين دول المجلس حيث زادت التجارة البينية بمعدل أكثر من 20% سنوياً منذ انطلاقة الاتحاد الجمركي في يناير 2003م ويعود ذلك إلى تبسيط الإجراءات الجمركية وتوحيد أنظمة الجمارك وإلغاء الرسوم الجمركية بين دول المجلس وتوحيد التعرفة الجمركية مع العالم الخارجي كما يتم العمل على تذليل ما تبقى من معوقات في التبادل التجاري بين دول المجلس وذلك باستكمال ما تبقى من متطلبات الاتحاد الجمركي وهي (الوكالات و الحماية الجمركية لبعض السلع و آلية تحصيل وإعادة توزيع الإيرادات الجمركية ) حيث وجه قادة دول المجلس في قمتهم الأخيرة في الدوحة بإزالة كل العقبات والمعوقات التي تعترض سير الاتحاد الجمركي.

كما إن تسهيل التبادل التجاري في السلع لا يتم من خلال آليات السوق المشتركة، بل من خلال آليات الاتحاد الجمركي لدول المجلس الذي دخل حيز التنفيذ منذ خمس سنوات. فالاتحاد الجمركي يعني بشكل رئيس بتسهيل تنقل السلع بين دول المجلس وتبسيط إجراءات التبادل التجاري مع العالم الخارجي، في حين تعنى السوق الخليجية المشتركة بتنقل الأفراد والخدمات والاستثمار وحرية ممارسة النشاط الاقتصادي بشكل عام.

وقد أدركت دول المجلس أن من أهم شروط تحقيق التكامل بينها هو تبني سياسات عملية وأهداف واقعية متدرجة. كما حرصت على الربط بين تحديد الأهداف المستقبلية ووضع البرامج العملية لتحقيقها وبناء المؤسسات القادرة على ذلك.
وبهدف ترجمة الأهداف المعلنة إلى وقائع ملموسة اتفقت دول المجلس على عدد من الخطوات التي تهدف إلى تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس وفق خطوات متدرجة، حيث تمت إقامة منطقة التجارة الحرة في عام 1983 ثم الاتحاد الجمركي في الأول من يناير 2003م ثم السوق الخليجية المشتركة في ديسمبر 2007م.
وعد الأمين العام لمحلس التعاون الخليجي عبدالرحمن بن حمد العطية إعلان قيام السوق الخليجية المشتركة بداية عهد جديد من التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون يقوم على مبدأ المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس بحيث يتمتع مواطنو دول المجلس الطبيعيين والاعتباريين بالمعاملة الوطنية في أي دولة من الدول الأعضاء ويحصلون على جميع المزايا التي تُمنح للمواطنين في كافة مناحي النشاط الاقتصادية.

وفيما يتصل بالاتحاد الجمركي الذي بدأ العمل به اعتباراً من الأول من يناير 2003م، أوضحت الأمانة العامة للمجلس أنه تم التوصل عند قيام الاتحاد لعدد من التوصيات ذات الصلة بالاتحاد الجمركي، أقرتها لجنة التعاون المالي والاقتصادي (وزراء المالية والاقتصاد في دول المجلس) أهمها السماح للبضائع الوطنية المنتجة بدول المجلس بالتنقل بكامل حريتها بين الدول الأعضاء بعد قيام الإتحاد الجمركي بموجب الفواتير المحلية الخاصة بها والبيان الجمركي الموحد للأغراض الجمركية والإحصائية.

وفي مجال التعاون التجاري، اهتمت دول مجلس التعاون بالمجال التجاري وعملت على تعزيزه وتطويره بما يعود بالنفع على دول ومواطني دول المجلس واتخذ المجلس الأعلى في دوراته المتتابعة جملة من القرارات منها السماح لمواطني الدول الأعضاء بمزاولة تجارة الجملة والتجزئة في أي دولة عضو ومساواتهم بمواطني الدولة والسماح لهم بتملك أسهم الشركات المساهمة بالدول الأعضاء وتداول الأسهم وتأسيس الشركات.
كما أقيم مركز التحكيم التجاري لدول المجلس وعلى نظام المركز، وقد أقيم المركز في مملكة البحرين، وهيئة التقييس ومقرها الجديد في مدينة الرياض.
كما أقر المجلس الأعلى في دورته السادسة والعشرين (أبو ظبي/ ديسمبر 2005م) السياسة التجارية الموحدة لدول مجلس التعاون التي من أبرز ملامحها أنها تهدف إلى توحيد السياسة التجارية الخارجية لدول المجلس والتعامل مع العالم الخارجي ومنظمة التجارة العالمية والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى كوحدة اقتصادية واحدة وتنشيط التبادل التجاري والاستثماري مع العالم الخارجي، وتوسيع أسواق صادرات دول المجلس وزيادة قدرتها التنافسية وتحسين شروط نفاذها إلى الأسواق العالمية وتشجيع المنتجات الوطنية والدفاع عنها في الأسواق الخارجية وحماية الأسواق المحلية وكذلك تفعيل دور القطاع الخاص في تنمية صادرات دول المجلس من السلع والخدمات.

وفي المجال الصناعي، خطت دول مجلس التعاون خطوات كبيرة في مجال التعاون والتنسيق الصناعي في ما بينها، وعملت على تدعيم كل ما يؤدي إلى تعزز استمرار التنمية الصناعية في دول المجلس. ومن أهم القرارات التي اتخذت في هذا الشأن السماح للمستثمرين من مواطني دول المجلس بالحصول على قروض من بنوك وصناديق التنمية الصناعية في الدول الأعضاء ومساواتهم بالمستثمر الوطني من حيث الأهلية وفقاً للضوابط المعدة بهذا الشأن، واعتماد النظام الموحد لحماية المنتجات الصناعية ذات المنشأ الوطني في دول المجلس، ومنح المنشآت الصناعية في دول المجلس إعفاء من الضرائب (الرسوم) الجمركية على وارداتها من الآلات والمعدات وقطع الغيار والمواد الخام الأولية ونصف المصنعة ومواد التعبئة والتغليف اللازمة مباشرة للإنتاج الصناعي وتم إعداد الضوابط اللازمة لذلك. ونطراً إلى انقضاء مدة ثلاث سنوات من البدء بتطبيقها، فقد تم إعادة تقييم هذه الضوابط، ووافقت اللجان الوزارية المختصة على صيغتها المعدلة للبدء بتطبيقها ابتداء من يناير 2008م. كما اعتمد المجلس الأعلى في دورته الرابعة والعشرين المنعقدة بالكويت 2003م، القانون (النظام) الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية لدول المجلس كقانون إلزامي اعتبار من الأول من عام 2004م.

وفي مجال الربط الكهربائي بين دول المجلس تم إنجاز ما يزيد على 82% من أعمال المرحلة الأولى من مشروع الربط الكهربائي التي تشمل دولة الكويت والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة قطر حتى نهاية شهر سبتمبر 2008م.
وتوقعت الأمانة العامة للمجلس استكمال هذه المرحلة وبدء التشغيل التجريبي للشبكة مع بداية العام 2009م. ومن المؤمل أن تنضم كل من دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان (المرحلتان الثانية والثالثة من المشروع) إلى المرحلة الأولي ليستكمل المشروع بمراحله الثلاث في عام 2010م. كما يجري حاليا إعداد اتفاقيات الربط الكهربائي التي تنظم العلاقة بين الدول المشاركة، وتحدد التزامات الهيئة والجهات الناقلة والجهات المعنية بتجارة الطاقة في دول المجلس.

وفي ما يتصل بالتعاون في مجال الزراعة، اتخذت دول المجلس العديد من الأنظمة والتشريعات في هذا الشأن ومنها إقرار آلية لتسهيل انسياب السلع الزراعية والحيوانية المستوردة لدول المجلس بالاتفاق مع لجنة الاتحاد الجمركي، ونظام الحجز الزراعي ( إلزامي)، ونظام الحجر البيطري (إلزامي) والنظام الموحد لاستغلال وحماية الثروة المائية الحية، ونظام الأسمدة ومحسنات التربة الزراعية (إلزامي) ونظام المبيدات (إلزامي) ونظام البذور والتقاوي والشتلات (إلزامي).

كما تم إنشاء العديد من المشاريع المشتركة التي أسهمت في تطوير العمل الخليجي المشترك وساهم في بعضها القطاع الخاص في دول المجلس ومن أهمها شركة البذور والتقاوي في الرياض، وشركة العروق الأصيلة للدواجن في الرياض، والاستفادة من مختبر تشخيص الأمراض الفيروسية ومختبر إنتاج اللقاحات البيطرية التابعان للمملكة العربية السعودية لتقديم خدماتها لبقية دول المجلس ومشروع تصنيع معدات وأجهزة مشاريع الدواجن والألبان في الفجيرة. كما اعتمد المجلس الأعلى في دورته الرابعة والعشرين المنعقدة في الكويت 2003م، القانون (النظام) الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية لدول المجلس كقانون إلزامي اعتباراً من الأول من عام 2004م.

وتقوم إدارة الدراسات والتكامل الاقتصادي باستكمال تطوير النموذج القياسي التكاملي لاقتصاد دول المجلس، وهو نموذج قياسي يقوم بتوصيف العلاقات الاقتصادية بين دول المجلس، ويتم تطويره سنوياً.