حدثنا أبو سفيان العاصي أنَّ الناس في زحمة الحياة وتراكم المعاناة قد ينسون أكثر الأشياء إلتصاقاً بهم ألا وهو الحذاء أو النعال- كما هي لغة القرآن الكريم، فهذا المنتج الذي يتخذ من أسفل القدم مكاناًو مقراً، ظلم عبر التاريخ ظلماً لم يظلم مثله أحد إذ أصبح كالشعير مأكول مذموم، ويبدو أن أول حضور ثقافي للنعلين كان في آية كريمة حين خاطب الله-جل وعز- موسى قائلاً:(اخلع نعليك انك بالوادى المقدس طوىquot;) وفهمت هذه الإشارة على غير مرادها (والحديث لأبي سفيان) الأمر الذي جعل القوم يقولون عبارة (أكرمك الله)عندما يأتون على سيرة الحذاء!
وكان الشيخ أبو سفيان يتدفق في أفكاره، عندما جاءت سيرة النعال قائلاً: لله درّ علمائنا القدماء الذين انصفوا النعال ورفعوا من مكانتها، حيث استحبوا الصلاة فيهاعلى اعتبار أنها من متعلقات الجسد، فهذا صاحب كتاب (الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين) يعقد فصلاً كاملا تحت عنوان (من التشبه بأعداء الله تعالى ترك الصلاة في النعال والخفاف بالكلية)، لما رواه أبو دِؤاود والبيهقي في سننهما والحاكم في مستدركه قال: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم quot; خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهمquot; و الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم كانو يدخلون المساجد في النعال والخفاف ويصلون فيها كما في الصحيحين عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد الأزدي قال سألت أنس بن مالك رضي الله عنه(أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنعليه)؟ قال: نعم ؛ رواه الإمام أحمد وأبو داوود والطيالسي والدارمي والترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم gt;gt;
وفي سنن أبي داوود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال بينما النبي صلى الله علي وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال:(ما حملكم على إلقائكم نعالكم)؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أنَّ فيها قذراً وقال إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه وليصل فيهما ورواه أحمد وأبو داوود الطيالسي والدارمي والحاكم بنحوه.
بعد هذه الأحاديث تنهد ابو سفيان، وقال: انظروا كم هي المسافة طويلة بين وفاء الأولين ووفاء الآخرين.
فالأولون كانوا يكرمون النعال لدرجة الصلاة فيها، في حين أنَّ الآخرين يعتبرون النعال غمزا للشتيمة، والأمثلة كثيرة فالحجازيون عندما يريدون شتم أحد يقولون بأنه (زي اللي في رجلك) في حين أن أهل نجد يقولون في نفس السياق (وين رحت يا نعال أبو كريّم).
سامح الله أهل الحجاز واهل نجد وبقية الخلق من غير إحصاء أو عدّ على هذا الظلم، ولله درّ الأحنف بن قيس حيث قال:
(إستجيدو النعال فإنها خلاخل الرجال...)
ومصداقاً لقول الأحنف،فقد سألت سيدة عن أول مايلفت نظر المرأة في الرجل فقالت على الفور: quot; حذائهquot; لذا ياقوم تخيروا نعالكم فإن الطرف لماح
وسيرة النعال سيرة كما يقول شيخنا أبو سفيان العاصي حديث لا ينتهي،وإذا كان الأديب عبد الله الناصر ألف كتاباً بعنوان(سيرة نعل) فلا عجب في ذلك، فللحذاء تاريخ مديد وماضٍ مجيد، حين ساعد الناس على تجاوز مشقة الطريق والمشي على الرمضاء والإحتماء من كل أذية رعناء.
ويحفل التراث بكثير من الأحذية مثل حذاء السندريلا الذي أرشد الأمير العاشق أين تختبئ معشوقته ذات الجمال الباسق.
أكثر من ذلك كيف ينسى القوم حذاء الطنبوري الذي وضعنا في دائرة الضحك من وفاء ذلكم الحذاء الذي كلما رماه صاحبه - بقدرة قادر- يعود إليه مرة أخرى، ولا يزعج في سيرة الأدب الحذائي إلا ما قاله الماغوط واصفاً وجهه الحزين بقوله وجهي حزين متجعّد (كحذاء خلّفه الغزاة) أكثر من ذلك،الحذاء يملك خاصية التكيف، لذا نجد الغني يرمي حذائه عندما يدركه التهلهل في حين أن الفقير ينهكه بإبر الخياطة حتى يعيده لسيرته الأولى والإنسان في حالتي الغنى والفقر يتعامل مع الحذاء بروح النذالة،لأن كثيرا من أمثلة الشعوب تقول:(لا ترمي حذائك القديم حتى تحصل على الحذاء الجديد)!.
بعد ذلك مد أبو سفيان رجله، وقال: أن الحذاء يجسدأجمل صور التسامح والتلاحم والمسايرة، فهو يعاتق القدم متى شاء صاحب القدم ولا يسأل إلى أين المسير ومتى نزعه صاحبه وجده حيث تركه لا يضلُّ ولا يسير.
غير أنَّ الحذاء له دكتاتورية تشبه دكتاتورية بعض الأنظمة العربية وأبرز ملمح لهذه الدكتاتورية أنه يفرض على المرأة فستاناً وحقيبة بلونه.!!
والحذاء فوق ذلك مصدر للراحة، متى كان مريحا واسعاً وفضفاضا رائعا لذا قال بعضهم:
ماذا ينفعني اتساع العالم إذا كان حذائي ضيقاً!!!
وهو فوق ذلك يمثل جائزة تفوق، إذ مازال كل لاعب يطمح بأن يعانق،بل ويقبل (الحذاء الذهبي)!
إعلموا أيها الطلاب-والحديث لابي سفيان العاصي - أن أحد الوزراء في قديم الزمان أوصى خليفة من الخلفاء قائلاً له:
(إعلم يا مولاي أنك تحتاج إلى الحذاء بالقدر الذي تحتاج فيه إلى اللباس والكساء)وحتى تعرفوا شموخ الحذاء تأملوا حيرة النساء، وربكة الرجال أمام محلات بيع الأحذية، حين تلتهمهم الحيرة والربكة في اختيار أحذيتهم، التي يتمنون أن تكون أكثر منهم جمالاً وأطول منهم مآلاً.
واستخدامات الحذاء متعددة،فالأعرابي في صحرائه يتخذه وسادة،والأم في بيتها تتخذه عصىً لتأديب أطفالها،وسائر البشر يستخدمونه واقٍ لأرجلهم من الأذى..
وقصة اختراع الحذاء- كما تروي بعض الكتب-طويلة مفادها أن أحد الولاة في العصور القديمة، كان يتجول في الصحراء ذات الأشواك حافياً، فأشار على وزرائه بأن تفرش الأرض بالجلد، أحد وزرائه رأى بأن الفكرة مستحيلة التنفيذ،فاقترح على الوالي تصميم جلود صغيرة على مقدار القدم بحيث يستفيد منها كل أفراد الشعب فاستحسن الوالي الأمر ونفذه إن جحود المرء لأهمية الحذاء في حياته جعل الحذاء يتذمر ويغضب من الإحتكاك بالإنسان لذا قال أحدهم في شتم أحد أعادئه:
رجل إذا ضرب الحذاء بخده صرخ الحذاء بأي ذنب أضرب ولم يعرف قدر الحذاء إلاالشيخ الرئيس بوش حين حاول أحد الأشقياء من الصحفيين العرب ضربه بالحذاء،وصوبه إلى حيث يقف فخامة الرئيس،ولكن التصويبة خرجت (تسلل)_ولله الحمد_الأمر الذي جعله يعلق ضاحكا: quot;كل ما أستطيع أن أقوله إنهما كانا مقاس 10quot;!
ياقوم اكرموا الحذاء فهو من صديق الجسد، بل ونعم الصديق
[email protected]