صورالمشتبه فيهم في اغتيال محمود المبحوح

أبطأ التحرك الأمني العاجل لسلطات إمارة دبي، بعد الكشف عن تفاصيل مقتل قيادي فلسطيني في أحد فنادقها، من مخاوف خليجية واسعة جدًّا من أن يكون ساحل الخليج العربي عرضة لعمليات متكررة من الجرائم الدولية المنظمة، أو ما يعرف حديثًا بـquot;الاغتيال السياسيquot;.

إيلاف: بالتوازي مع مقتل محمود المبحوح في دبي، فإن دولاً خليجيّة تستعد لوضع ضوابط لإنفتاحها الإقتصادي والإستثماري الذي يبقيها ساحة مفتوحة لعمليات محتملة، في حين تبدو عواصم خليجية مطمئنة لأن تشددها في منح التأشيرات من شأنه أن يحد إلى أبعد حد من تسلل عناصر مافيا الجريمة الدولية.

لعقود طوال ظلت المنطقة الخليجية برمتها أبعد ما تكون عن تسجيل ورصد عمليات إغتيال سياسية عابرة للقارات تكون أراضيها مسرحًا لها. إذ بقي يسمع عنأنباء تلك العمليات في العواصم الخليجية عبر نشرات الأخبار العالمية، فعلى الرغم من تسجيل عمليات إغتيال داخلية كان أبرزها للملك السعودي الراحل فيصل بن عبدالعزيز، حين صدمت المنطقة العربية بأسرها بأنباء ذلك الإغتيال.

أو محاولات للإغتيال لم تلق النجاح كانت إحداها لأمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح عام ،1985, إلا أن إطار تلك العمليات والمحاولات بقي واضحا، ومفهومًا لدى بعضهم الآخر، وأن آثاره لم تكن أكثر من إحتقانات داخلية معروفة الدوافع والمرامي، إذ لم تكن لتلك العمليات أو المحاولات الفاشلة أي إمتدادات خارجية على الرغم من كل ما تم تسريبه عن تخطيط متقن رسمت أبعاده في الخارج، إلا أن التنفيذ ظل من الداخل، والقصص كلها كانت تتعلق بشؤون داخلية.

وخلال العقد الماضي على وجه التحديد فقد أطل خلافًا لكل التوقعات والتقديرات الأمنية في العواصم الخليجية شبح الإغتيال السياسي على وقع السعي لتصفية حسابات بين دول وحكومة وأجهزة إستخبارية خارجية، فقط يتم إختيار العاصمة الخليجية لسهولة التنفيذ والمواربة والإختباء والفرار من مسرح الجريمة.

طالما أن الأنظار لن تلفت إلى جناة قدموا بالتأكيد إلى بعض العواصم الخليجية بهويات مزورة يسهل التخلص منها بعد إستخدامها في الدخول والخروج لتنفيذ مهمة الإغتيال السياسي، وربما أمكنهم العودة إليها بهويات أخرى مزورة لتنفيذ عمليات أخرى.

إذ إن الإنفتاح الكبير لعاصمة المال والأعمال الإماراتية دبي، ونوعًا ما العاصمة القطرية الدوحة في السنوات الأخيرة عرض تلك المناطق إلى خطر تنفيذ عمليات إغتيال تكتسب الصفة السياسية بسبب النتائج والآثار التي تترتب عليها، فالسلطات هناك قامت بأكبر عملية إنفتاح إقتصادي وكان لا بد لذلك الإنفتاح من أن يترافق بالضرورة مع تسهيل دخول الراغبين بالإستثمار، أو العمل في بيئة إستثمارية ناشئة مثل دبي.

كما أن كثافة عقد مؤتمرات ومنتديات دولية، وبطولات رياضية عالمية، وأيضًا مبادرات تسوق عالمية قد سهل توجه الملايين من الأفراد حول العالم سنويًا إلى مدينة خليجية نابضة بالحياة على مدار العام مثل إمارة دبي، بتأشيرة دخول تمنح غالبًا في مطارها الذي كان عرضة خلال السنوات الماضية لعمليات توسعة متكررة لإستيعاب أعداد المسافرين.

كانت إستراتيجية القرار الأعلى في بعض العواصم الخليجية عند المفاضلة بين التشديد الأمني على القادمين، وفتح البلاد أمام تدفق الإستثمارات، ينحاز إلى تحمل كل تبعات ما قد يجلبه الإنفتاح الإقتصادي، على أن يظل الأمن حاضرًا بقوة في كل التفاصيل، شريطة أن يظهر على هيئة رجل أمن يبتسم ويلبس قفازتين من حرير لعدم تنفير رجال الأعمال والبنزس، ووضع خطط أمنية بإستمرار تتيح لتلك الدول التحرك بقوة لتعقب أي جريمة تقع على أراضيها.

ففي حالة مثل حالة إمارة دبي، فإن سلطات الأخيرة تنفق موازنة مالية هائلة جدًّا على التدريب وتطوير القدرات الأمنية، على الرغم من أن مدينة مثل دبي لم تشهد تعقيدات أمنية من قبل، ولا جرائم يمكن تصنيفها بالجريمة الدولية العابرة للقارات، وعلى الرغم من ذلك فإن السجل الأمني لا يخلو من الجرائم العادية التي تسجل بكثافة حول العالم من جرائم قتل عادية، وسرقات، وإغتصاب، وتزوير، وتسلل، والهروب من السجون.

إلا أن دبي قد عانت في السنوات الأخيرة من جرائم قتل ذات طابع سياسي، عمقت المخاوف في العواصم الخليجية الأخرى من أن تكون منظمات الجريمة العالمية، أو أجهزة الإستخبارات المتخاصمة قد وجدت في ساحل الخليج العربي نافذة يمكن القفز داخلها لتصفية الحسابات، والإختفاء، ثم العودة إن تطلب الأمر.

وفي الوقت الذي عادت فيه الذاكرة لاغتيال الرئيس الشيشاني السابق سليم خان يندر باييف قبل 6 سنوات بعبوة ناسفة استهدفت سيارته بعد خروجه من أحد جوامع العاصمة القطرية الدوحة, حتى تبوأت دبي خلال الأعوام الأخيرة حوادث تصفية جسدية متقنة أحدها كان العام الماضي سياسيا بإمتياز حين قتل المعارض الشيشاني سليم يامادييف في ظروف غامضة جدًّا، بدت معقدة للوهلة الأولى، قبل أن تكشف شرطة دبي التفاصيل وتوجه الإتهام الى أحد المسؤولين الشيشان.

وقد طويت قضية اغتيال باييف بإعتقال رجلين روسيين نفذا المهمة كقاتلين مأجورين بعد رصد المعارض الشيشاني وقررا تصفيته في ظروف بدت ملائمة جدًا لهم، حين إختاروا لأنفسهم المواربة تحت لافتة الأعمال والبزنس، إلا أن شرطة دبي وجهاز تحقيقاتها كان لهم بالمرصاد.

وفي تموز (يوليو) 2008 كان العالم العربي برمته يتابع أنباء إغتيال مطربة لبنانية معروفة هي سوزان تميم، حين جرى ذبحها بوساطة سكين حال فتحها باب شقتها الواقعة في أحد الأبراج السكنية في إمارة دبي، وعلى الرغم من أن واقعة الإغتيال لم تكن لأسباب سياسية، إلا أنها إكتسبت بعدًا سياسيًّا حال إعلان شرطة دبي بحرفية وعلو كعب أن السياسي المصري ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى هو الذي يقف وراء الجريمة تحريضًا وتمويلاً، فيما نفذها ضابط إستخبارات مصري متقاعد هو محسن السكري.

وجاء ذلك، بعد حالة غرام متعثرة بين تميم ومصطفى، إنتهت بإصدار الأخير أوامره بقتل المطربة اللبنانية التي كان من الممكن أن تحرر ضد مجهول، لولا أن شرطة دبي توقفت مطولاً عند آثار هذه الجريمة على سمعة إقتصادها وأمنها، إذ رفضت أي تحايل أو مواربة على إعلان التفاصيل كاملة، حيث ثبت أن السكري قد وصل إلى دبي ونال من مطارها تأشيرة دخول تحت لافتة رغبته في التنزه والسياحة داخل الإمارة الخليجية الساحرة.

إلا أن عاصمة المال الخليجية كانت الشهر الماضي عرضة أيضًا لجريمة اغتيال سياسي بدت كما لو أنها وفاة طبيعية لولا الحرفية الأمنية التي يتمتع بها عناصر لأمن في الإمارة الذين كمنوا للجريمة وتوصلوا إلى أن الوفاة غامضة ومعقدة، لكنها لن تستعصي على الحل.

إذ قبل مرور شهر على مقتل القيادي الفلسطيني في حركة حماس محمود المبحوح، كانت شرطة دبي توجه الاتهام إلى فريق إغتيال مكون من عدة أفراد، تم الإستدلال عليهم من خلال تجميع المواد الفلمية لعشرات الكاميرات المنصوبة داخل المطار وبهو وصالات الفندق الذي قتل المبحوح في أحد غرفه، إذ أعلنت إمارة دبي التفاصيل الكاملة على الرغم من ضغوط دولية قيل إنها مورست بصمت على الإمارة لإخفاء بعض التفاصيل، لكن الإمارة ردت بثقة أن تفاصيل أخرى مثيرة على الطريق لا تزال قيد التثبت من صحتها، وربطها وتجميعها.

ولم يكن سرًّا أن نجاحات دبي الأخيرة أمنيًّا، وتعاطيها بعلو كعب مع قضايا أمنية معقدة وغامضة إلى أبعد حد، قد كبحت مخاوف خليجية واسعة جدًّا كانت على درب الإنفتاح الإقتصادي، ورفع الضوابط المتشددة عن الراغبين في زيارتها، لكنها كانت تضع يدها على قلبها من أن يكون الإنفتاح مقدمة لإستهدافات لأمنها عابرة للقارات، على شاكلة ما وقع في دبي في السنوات الأخيرة.

إذ أثبتت دبي أنه يمكنها المواءمة بين الأمن الإحترافي الناعم والإنفتاح الإقتصادي مهما يكن، دون إستثناء فرضيات شيوع الإغتيال السياسي في المنطقة الخليجية التي قد تتطور إلى الأسوأ مع تضخم العوامل الإقليمية، وبحث الأجهزة المتصارعة عالميًا عن حلبات جديدة لممارسة لعبة القتل.