توقع خبراء مصريون تراجع النظام عن ملف quot;التوريثquot; بعد أن وصلت رياح الثورة التونسية الى المدن المصرية، لكنهم قللوا من إمكانية استجابة الرئيس حسني مبارك لمطالب الرحيل، والإستمرار في الحكم، بل وترشيح نفسه لولاية خامسة بعد إتخاذ العديد من الإجراءات الإصلاحية الحقيقية، على مستوى السياسة والإقتصاد.


An anti-government protester waves Egyptian flags ...

quot;الشعب يريد إسقاط النظامquot;، quot;ثورة ثورة حتى النصر.. ثورة في كل شوارع مصرquot;، quot;ثورة ثورة حتى النصر، ثورة في تونس وثورة في مصرquot;، quot;يسقط حسني مباركquot;، quot;إرحل.. إرحلquot;. كانت هذه أبرز الشعارات التي رددها ما يزيد على 250 ألف مواطن مصري خرجوا في تظاهرات حاشدة، بعد عشرة أيام من الثورة التونسية التي أسقطت نظام الرئيس زين العابدين بن علي في الرابع عشر من شهر كانون الثاني- يناير الجاري، في أول محاولة جادة من المصريين لترجمة التجربة التونسية على أرضهم، التي يحكمها الرئيس حسني مبارك منذ ما يزيد على الثلاثين عاماً.

لم تكن تتوقع المعارضة المصرية ونشطاء فايسبوك والشبكات الإجتماعية الاخرى، تلك الإستجابة الحاشدة والفورية من المواطنين لدعواتهم بأن يكون يوم 25 كانون الثاني- يناير الذي تحتفل فيه الشرطة المصرية بعيدها السنوي هو quot;يوم الغضبquot;. لاسيما أن الحكومة تحايلت على المواطنين، لإثنائهم عن المشاركة في التظاهرات، حيث جعلته إجازة رسمية، تعطل فيها الهيئات والمصالح الحكومية والخاصة.

رغم أن المواطنين خرجوا في تظاهرات سلمية، إلا أن الشرطة استخدمت الرصاص، لقمع التظاهرات في مدينة السويس شرق القاهرة، وسقط ثلاثة قتلى، وأكثر من 125 جريحاً، جراح 18 منهم خطرة، وفقاً لتصريح للدكتور فتحي مراد أحد مسؤولي مديرية الصحة في السويس لـquot;إيلافquot;، وفي القاهرة سقط شرطي قتيلاً، وأصيب نحو 172 جريحاً. حسبما قال مصدر طبي لـquot;إيلافquot; في مديرية الصحة في القاهرة.

وقد فاجأت التظاهرات الحاشدة المعارضة و النظام الحاكم، ما أدى الى طرح العديد من التساؤلات حول الإجراءات التي سوف يقوم بها النظام الحاكم، للقضاء على الإحتقان الشعبي المتصاعد؟ هذا ما حاولت quot;إيلافquot; الإجابة عليه من خلال الخبراء السياسيين، الذين توقعوا تراجع النظام عن ملف quot;التوريثquot;، أو فرملة عجلة توريث الحكم لنجل الرئيس جمال مبارك، لكنهم قللوا إمكانية إستجابة الرئيس لمطالب الرحيل، والإستمرار في الحكم، بل وترشيح نفسه لولاية خامسة، وذلك بعد اتخاذ العديد من الإجراءات الإصلاحية الحقيقية، سواء على مستوى السياسة والإقتصاد.

في هذا الاطار، يقول الدكتور عمار علي حسن رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية إن الثورة التونسية ألهمت التظاهرات التي خرجت في العديد من المحافظات المصرية، وكانت أكثر تنظيماً وحشداً في القاهرة والإسكندرية، مشيراً إلى أن ما ردده المصريون من هتافات تشابه إلى حد كبير التطابق مع ما ردده التونسيون في ثورتهم التي اندلعت قبل نحو عشرة أيام، و يرجع ذلك إلى تشابه الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية في البلدين، فقد طالب المصريون برحيل الرئيس مبارك، وإقرار الحرية وتوزيع عادل للثروة، وتمثل ذلك في هتافات quot;إرحل، إرحلquot;، quot;خبز، حرية، عدالة إجتماعيةquot;.

وأضاف حسن أن ما حدث في تونس جعل النظام يفكر جيداً في التراجع عن توريث الحكم لنجل الرئيس، متوقعاً أن يتراجع النظام عن إتمام هذا السيناريو بشكل كامل، بعد خروج عشرات الآلاف من المصريين في تظاهرات حاشدة، تؤكد رفضها للنظام الحالي. منوهاً بأن الجناح الذي يدعم ترشيح جمال مبارك للحكم في الحزب الوطني الحاكم، صار ضعيفاً جداً، خاصة أن هناك أجهزة سيادية تميل إلى استبعاد تسليم السلطة لنجل الرئيس، خشية الإنفجار الشعبي، وقد صار لدى تلك الأجهزة من الدلائل والمؤشرات ما يجعلها تقنع الرئيس بذلك.

A crowd of demonstrators walk through Cairo, ...

وحول ترشيح الرئيس للحكم، أوضح حسن أن التظاهرات قد لا تجبر الرئيس على عدم الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة، مرجحاً أن يقوم باتخاذ مجموعة من الإجراءات، التي من شأنها إمتصاص غضب الشعب، وإعلان ترشيح نفسه، وقد يرشح أحد قيادات الحزب الوطني الحاكم، ولكن من السابق توقع سيناريوهات النظام للتعامل مع الأوضاع الحالية.

بدوره، توقع الدكتور عمرو الشوبكي الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية أن تجبر التظاهرات التي شارك فيها الآلاف من المصريين المطالبين بالحرية والعدالة الإجتماعية النظام الحاكم على إجراء إصلاحات سياسية حقيقية تعزز التعددية ومشاركة المعارضة، وإغلاق ملف التوريث نهائياً إلى غير رجعة، مشيراً إلى أنها قد لا تؤثر في خوض الرئيس مبارك للإنتخابات الرئاسية المقبلة. وأضاف الشوبكي أن التظاهرات حملت رسالة خطرة إلى النظام الحاكم، وقال quot;أعتقد أنه لن يغفلها على الإطلاق، لأن المشهد التونسي ما زال قريباً، وعالقاً بالأذهان، وسوف يعمل على تصحيح أوضاعه إلى الحد الذي يهدئ من ثورة الشعبquot;.

أما أبو العز الحريري القيادي في الجمعية الوطنية للتغيير فيرى أن التظاهرات التي جابت الشوارع الرئيسة في محافظات القاهرة والإسكندرية والسويس وبورسعيد وغيرها من الأماكن، سوف تعيد تشكيل الخريطة السياسية المصرية، وسوف تجبر النظام الحاكم على تغيير سياساته وسيناريوهاته بشأن السيطرة على الحكم، مشيراً إلى أن أول السيناريوهات التي أسقطها أو أحبطها المتظاهرون هو سيناريو التوريث. وتابع: يجب على النظام الحاكم تدارك الأمور، واتخاذ إجراءات فورية لإطفاء نيران الغضب المشتعلة في صدور المواطنين، ومنها: حل المجالس النيابية المزورة، تعديل الدستور بما يتيح لكافة الأحزاب والتيارات السياسية من ممارسة العمل السياسي في حرية ومن دون تعقيدات، الإعلان عن عدم ترشح الرئيس مبارك لفترة رئاسية جديدة، والإعلان عن عدم ترشيح نجل الرئيس لانتخابات رئاسة الجمهورية. لافتاً إلى أنه في حالة إصرار النظام على تجاهل الأوضاع المشتعلة، سوف تزداد الأوضاع اشتعالاً بما لا يمكنه السيطرة عليها.

فيما يؤكد الدكتور أيمن نور زعيم حزب الغد أن مصر قبل 25 كانون الثاني- يناير، ليست كمصر قبل هذا التاريخ، واستطرد قائلاً إنه يعتقد أن النظام لن يجرؤ على التفكير في التوريث بعد الآن، بل إن النظام سوف يفكر جدياً في عدم ترشيح الرئيس نفسه في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، وتوقع أن يقوم النظام باتخاذ إجراءات تضم إصلاحات سياسية وإقتصادية حقيقية، خشية تطور التظاهرات إلى ثورة شعبية طاغية قد تطيح بجميع رموزه.

ووفقاً للدكتور جهاد عودة عضو اللجنة العليا للسياسات في الحزب الوطني الحاكم، التي يترأسها جمال مبارك، فإن التظاهرات التي شارك فيها نحو 200 ألف مواطن على مستوى الجمهورية، خرجت متأثرة بروح اللحظة الثورية التونسية، وأوضح أن التظاهرات الحالية إعتراضية، وليست ثورية إنقلابية، وأضاف أن علم السياسة ينظر إلى العمل الثوري على أنه يمر بمرحلتين، الأولى هي إعتراضية يقوم بها الشعب بقصد التفاعل مع السلطة العامة، وتنبيهها إلى ضرورة الإستجابة إلى مطالبه، والأخرى هي العمل الثوري الإنقلابي الذي يقوم به الشعب للإطاحة بالسلطة القائمة، لأنها تجاهلت مطالبه، وشدد عودة على ضرورة الإستجابة لمطالب الشعب التي طرحها في التظاهرات الحالية، حتى لا تتحول إلى ثورة إنقلابية.