يبدو الموقف الأميركي من الأحداث الجارية في سوريا ضبابيًا، حيث يظهر أن هناك إنقسامًا في التعاطي مع التطورات، فمن جهة ترتفع أصوات مثنية على الإصلاحات التي يقوم بها الرئيس السوري بشار الأسد، ومن جهة أخرى تنتقد أصوات سياسة القمع بحق المتظاهرين.


بصورة تزيد عن الصراعات التي تشهدها تونس وليبيا والبحرين، وربما حتى تزيد عن سقوط نظام الرئيس حسني مبارك في مصر، جاءت أحداث العنف التي شهدتها سوريًاأخيرًا لتشكِّل تحديًا للإستراتيجية التي تنتهجها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في الشرق الأوسط.

ويمكن مشاهدة الدوافع المتناقضة داخل الإدارة الأميركية في التصريحات التي أدلت بها أخيرًا وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، حيث سبق لها قبل بضعة أيام أن وصفت الرئيس السوري بشار الأسد، بـquot;المصلحquot;، وفي التاسع والعشرين من الشهر الجاري، أدانت بشدة خلال تواجدها في لندن القمع الوحشي الذي تمارسه الحكومة السورية بحق المتظاهرين.
وهو ما جعل مجلة quot;فورين بوليسيquot; الأميركية تتساءل اليوم بخصوص الرأي الذي يسود الآن عن الأسد، والطريقة التي تتجاوب من خلالها الولايات المتحدة مع الأحداث في سوريا، ومدى ارتباط ذلك على طول الخط بتحديد الطريقة التي تغيرت من خلالها بشكل كبير السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، نتيجة الانتفاضات والاضطرابات التي شهدتها أخيرًا.

ثم مضت المجلة تلفت إلى تغير النهج الذي يتعامل من خلاله أوباما مع سوريا منذ وصوله إلى البيت الأبيض، حيث اختار أن يعود إلى سياسة التواصل، بدلاً من أن يواصل ممارسة الضغوط على النظام هناك. فقد كان يُنظَر إلى سياسة الضغط على أنها سياسة غير مجدية، وأن التعامل مع الأنظمة المعادية على نطاق واسع كان يُنظَر إليه على أنه الآلية التي يمكن وصفها بـquot;الواعدةquot; على الصعيد الدبلوماسي.

وربما الأكثر أهمية، هو أن يُنظَر إلى سوريا على أنها إحدى المحاور المهمّة في سبيل إحراز تقدم بعملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن بعد عامين من بدء هذا النهج من جانب واشنطن، فإنه لم يسفر عن أي نتائج إيجابية. فدمشق لم تزد من امتثالها للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تحقق في نشاطاتها النووية السرية، ولم تقلص من تعاونها مع إيران وحزب الله، أو تحد من تدخلها في الشأن اللبناني، أو تزيد من تعاونها مع المحكمة الدولية المعنية بالتحقيق في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وعلى الصعيد الداخلي، وبعيدًا من كونه مصلحًا، أكدت المجلة أن الأسد يشرف على نظام يتم تصنيفه على أنه أسوأ في ما يتعلق بالحقوق السياسية من النظام الخاص بالرئيس حسني مبارك في مصر.

ولم يشهد المسار السوري ndash; الإسرائيلي أي تقدم، ولم تلعب سوريا أي دور في محادثات السلام المتجمدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة حالياً تجاه سوريا لم تكن غير ناجحة فحسب في نتائجها، لكنها كانت معيبة في مفهومها.
وعلى الرغم من أن القيم والمصالح الأميركية تدعونا إلى دعم الحرية والسيادة بالنسبة للفلسطينيين، إلا أن نفس هذه القيم تمنعنا من المساومة على حرية الشعبين السوري واللبناني لإقامة دولة فلسطينية. وبالمثل، ليس هناك من سبب وجيه للاعتقاد بأن بشار الأسد مهتم في واقع الأمر بالسلام السوري- الإسرائيلي، فحالة الحرب المعلنة في سوريا مع إسرائيل تبرر quot;قوانين الطوارئquot; الدائمة هناك، كما أن علاقاته بإيران وحزب الله التي سيحتاج إلى التضحية بها لإبرام اتفاق تعود بنفع كبير على نظامه، بحسب ما ذكرته المجلة.

وهناك بعض الإشارات التي تدل على أن البعض بداخل إدارة أوباما يدرك الحاجة إلى تغيير النهج الذي يتم التعامل من خلاله مع سوريا. وتابعت المجلة حديثها في هذا الشأن بقولها إن مغازلة الأسد سعيًا وراء تحقيق أهداف إقليمية مع إهمال ما يحدث داخل سوريا، أمر لا يمت بصلة للسياسة الواقعية، وأوضحت أن ذلك قد يكون مرضيًا من الناحية السياسية بعمله على تلطيف العلاقات الثنائية، لكنه بعيد من الواقع بشأن تقليل التأكيد على آثار الركود السياسي والاقتصادي في المنطقة للمصالح الأميركية.
وختمت المجلة الأميركية بلفتها في هذا الجانب إلى أن هناك حاجة إلى إتباع نهج أكثر إبداعًا، وأكثر تبشيرًا، يكون مشتملاً على ضغوط اقتصادية وسياسية منشطة باستخدام العقوبات وتقديم الدعم لناشطي الديمقراطية في سوريا.