لا أعتقد أنّ أي موقف يتخذه أو يعلنه خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، هو موقف شخصي منفرد بل موقف يعبر عن رأي الحركة وتوجهاتها ويتم دراسته في المكتب السياسي والموافقة عليه قبل إعلانه لوسائل الإعلام. والمثير للعجب والاستغراب هو الخطاب الأخير الذي ألقاه خالد مشعل في ندوة (اللجنة العالمية للقدس) في بيروت في منتصف شهر أكتوبر الحالي، وما تضمنه هذا الخطاب الذي بثّته باهتمام شديد قناة quot;الميادينquot; التي هي نسخة مصورة من التلفزيون الرسمي السوري أو تلفزيون المنار الناطق باسم حزب الله. وهذا البث والاهتمام له مغزاه وهدفه المبطّن الذي تضمنه الخطاب، حيث الازدواجية وتغير المواقف الساسية لحركة حماس حسب المواسم السياسية والمصالح الحركية الحمساوية حسب تقلبات الأوضاع في الأقطار العربية.
التقلب من دعم الثورة السورية ومغادرة دمشق،
إلى توجيه رسالة غير مباشرة للتصالح مع النظام السوري كما تمّ فهمها من العديد من الجهات. فقد سبق لحركة حماس تأييدها العلني لثورة الشعب السوري ضد النظام الأسدي المتحكم تسلطيا بالشعب السوري منذ عام 1970 ، ومغادرة خالد مشعل وكافة قيادات حماس وغالبية كوادرها المعروفة سوريا متوجهين لعدة أقطار عربية خاصة قطر و مصر في زمن الرئيس المعزول محمد مرسي، وقد أعقب ذلك مطاردة النظام السوري لكوادر الحركة ومداهمة وإغلاق مكاتبها والعديد من الاجراءات الانتقامية، من ضمنها اغتيال كادر الحركة quot;كمال حسني غناجةquot; المعروف باسم (أبو مجاهد). وقد غازلت أو جاملت الحركة الدول الداعمة للثورة السورية ومنها تركيا، حيث شارك خالد مشعل شخصيا وحضوريا في quot;مؤتمر حزب الحرية و العدالةquot; السادس الذي انعقد في تركيافي نهاية سبتمبر 2012 وحضره أيضا الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، حيث قال خالد مشعل في خطابه أمام المؤتمر بحضور رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان: ( لقد رحبنا بثورة مصر وتونس واليمن ونرحب بثورة سوريا التي تسعى أيضا للتحرر). والتحرّر من ماذا؟ فهو لا يقصد سوى النظام الأسدي، لذلك شنّ عليه آنذاك التلفزيون الرسمي للنظام هجوما عنيفا واصفا إياه ب quot;المتسكع المتشردquot;. كما سبق أن تعرضت حماس لهجوم عنيف من بشار الأسد شخصيا، فكما نقلت جريدة الأخبار اللبنانية عن الأسد قوله : (laquo;عندما بدأت الأزمة، قالوا (مسؤولو حماس) إنهم وجهوا الينا نصائح. هذا كذب. من هم ليوجهوا نصائح إلى سوريا؟ ثم قالوا إننا طلبنا مساعدتهم، وهذا غير صحيح. فما علاقتهم في الشأن الداخلي السوريraquo;. جاء ذاك اليوم الذي اعلن فيه رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي تصريحاته المسيئة. laquo;نعم طالبناهم باتخاذ موقفraquo;. بعد فترة جاؤوا يقولون إنهم ذهبوا الى القرضاوي وتحدثوا معه. قلنا إن من يريد أن يتخذ موقفا سياسيا يتخذه علنا. ما قيمة الموقف الذي يؤخذ في غرف مغلفة. فكان ما كان من قطيعة. قررت laquo;حماسraquo; في النهاية أن تتخلى عن المقاومة وتكون جزءاً من حركة الاخوان المسلمين. laquo;لم تكن هذه المرة الأولى التي يغدرون فيها بنا. حصل ذلك قبلا في ٢٠٠٧ و٢٠٠٩raquo;. تاريخ من الغدر والخيانة، قبل أن يتمنى laquo;لو يستطيع أحد ما اقناعهم بأن يعودوا حركة مقاومة مجدداً، لكنني أشكraquo; في ذلك. حماس انحازت ضد سوريا منذ اليوم الاول، لقد اخذوا خيارا).
وفجأة رسالة بيروتية باتجاه دمشق الرسمية،
ففي خطابه في ندوة القدس المذكورة سابقا، فاجأ خالد مشعل الحضور دون أن يفاجىء قناة quot;الميادينquot; المؤيدة للنظام السوري، قائلا: (إن من حق الشعوب الانتفاض من أجل حقوقها ولكن يجب أن يتم ذلك بوسائل سلمية.... إنّ على هذه الجماعات التي تقاتل في سورية أن توجه البندقية الى فلسطين ). هل هناك خداع وانتهازية أكثر من هذا؟. من الذي بدأ باستعمال كافة أنواع الأسلحة ضد المظاهرات السورية السلمية التي اندلعت من مدينة درعا في منتصف مارس 2011 ؟ ألم يكن لجوء الأسد ونظامه إلى السلاح والعنف والقتل والتدمير هو ما أدّى لتشكيل الجيس السوري الحر وما لحق به من تنظيمات مسلحة ذات توجهات عديدة مختلفة ومتناقضة أحيانا؟. وإلا لماذا انشق مئات الضباط والجنود السوريين عن الجيش النظامي الذي يقتل الشعب بأوامر الأسد شخصيا؟. ولماذا ينصح خالد مشعل الآن فقط ومن بيروت وعبر قناة الميادين شبه السورية الرسمية بالوسائل السلمية متناسيا استخدام النظام حتى للسلاح الكيماوي في ريف دمشق؟.
وكيف ومن أين ستوجه هذه الجماعات البندقية إلى فلسطين؟
طوال وجود حماس وخالد مشعل في دمشق سنوات عديدة يحظى برعاية نظام الأسد، هل أطلقت حماس رصاصة على الاحتلال الإسرائيلي من الحدود السورية؟ لماذا هذا الخداع والتملق النفاقي؟ هل ينسى خالد مشعل وحماسه تعليمات الضابطة الفدائية، الفرع المخابراتي الأسدي المسؤول عن التنظيمات الفلسطينية التي كانت وما زالت تنصّ حرفيا quot; quot; يمنع منعا باتا إطلاق أية رصاصة على دولة إسرائيل من الحدود السورية، ومن يريد اطلاق الرصاص فليتوجه إلى جنوب لبنان quot;.
وهل تطلق حماس من غزة نفسها الرصاص ضد الاحتلال؟
فمنذ اجتياح دولة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة في ديسمبر 2008 ،أي قرابة خمس سنوات، وحماس ملتزمة بهدنة أمنية رسمية مع الاحتلال ولم تطلق رصاصة واحدة ضد الاحتلال، بالعكس تقوم باعتقال كل من يخطط لإطلاق الرصاص أي قبل قيامه بهذا الإطلاق، وفي سجونها في القطاع عشرات الأشخاص بسبب هذه التهمة، لذلك كان من الطبيعي أن تفهم رسالة خالد مشعل في ندوة القدس على أنّها رسالة تريد المصالحة مع نظام الأسد، من خلال هجومه على التنظيمات التي تردّ على رصاص وقذائف النظام ضدها وضد الشعب السوري. ومن الطبيعي ان يكون ردّ بعض هذه التنظيمات هجوما عنيفا على خالد مشعل، كما صدر عمن يطلق على نفسه اسم quot;جيش الإسلامquot;، حيث ورد في بيانه: ( لعلّ مشعل بتوصيفه للجهاد المقدس على أرض الشام بالحرب الطائفية يحاول نيل شهادة حسن سلوك دولية على حساب الدم السوري...ولعله بإعلانه أنّ المجاهدين قد أخطأوا الهدف يحاول استرضاء إيران عسى أن ينال شيئا مما قكع عنه من أموالها). ومحذرا خالد مشعل: ( من يمارس جهاد المكاتب لا ينبغي أن يوجه النصائح لمن يتقلب في الخنادق. إنّ جيش الإسلام أقدر على تحديد أولوياته وخياراته، ويعلم بالضبط لمن يوجه البنادق ومتى). والمدهش المثير أنّ الطرفين حماس وهذا الجيش يتحدثان باسم الإسلام، فهذا اسمه quot;جيش الإسلامquot; وحماس quot;حركة المقاومة الإسلاميةquot;. فأي إسلام من إسلاميكما سنتبع ونسمع، خاصة عندما نسمع ونشاهد سكوت حماس على الاحتلال، وقتال جيش الإسلام للجيش السوري الحر.
فهل نسمع قريبا عودة خالد مشعل وقيادة حماس إلى دمشق؟ تابعوا قناة الميادين فهي أول من سيبث الخبر إن حدث!!!.
www.drabumatar.com