لا يمكن لأي مراقب إلا أن يلحظ ازدواجية المعايير في السياسة الدولية لدى غالبية الدول الكبرى والصغرى دون استثناء. وأسوأ مظاهر ومشاهد هذه الازدواجية التي لا تراعي ولا تهتم بمصير الشعوب المظلومة، هو التحرك الدولي الذي أعقب استخدام نظام وحش سوريا للسلاح الكيماوي في ريف دمشق في الحادي والعشرين من أغسطس 2013 ، مما أسفر حسب كل التقديرات عن وقوع ما لا يقلّ عن 1600 قتيل وألاف المصابين. هذا التحرك الدولي الذي بدا أنّه يسير حسب مصلحة كل دولة بغض النظر عن ضحايا ومعاناة الشعب السوري، فكالعادة وقفت روسيا والصين وإيران مع نظام الوحش، روسيا والصين تريدان تفويضا من مجلس الأمن الدولي لأي تدخل عسكري ضد النظام، والدولتان تعرفان بأنّ هذا التفويض مستحيل بسبب الفيتو الدائم الذي تتخذانه منعا لصدور أي بيان أو موقف من المجلس يدين أو ضد هذا النظام المتوحش. أما الحليف الرئيسي وهو نظام الملالي في طهران، فهو على لسان كبيره quot;علي خامئنيquot; اعتبر أنّ هذا مجرد اتهام للنظام باستخدام الأسلحة الكيميائية كذريعة للهجوم على النظام. وقد سقطت حجة الذريعة هذه بعد أن اكدت كل التحليلات وفحص العينات أنّ النظام قد استخدم هذا السلاح فعلا. أما الموقف الأمريكي فرغم مرور قرابة شهر على مذبحة الكيماوي هذه ما زال متذبذبا بين توجهات الرئيس أوباما وضرورة بحثها في الكونجرس وموافقته على أي تدخل إلى آخر العديد من المواقف المختلفة لأعضاء الكونجرس ومسؤولي القوات المسلحة والدفاع، رغم أنّ لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي صوتت يوم الثالث من سبتمبر الحالي لصالح استخدام القوة العسكرية ضد النظام في سوريا بعشرة اصوات موافقة مقابل سبعة رافضة، وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد قال أمام أعضاء المجلس قبل التصويت quot; إنّ الولايات المتحدة تحاول تشكيل ائتلاف دولي يضم دولا من بينها فرنسا، وكذلك عددا من الدول العربية، لشن ضربة عسكرية ضد سورية، مؤكدا أن السعودية والإمارات وقطر وأيضا تركيا أعربت عن رغبتها في التحرك quot;.وأيضا كعادة أغلب دول أمريكا اللاتينية الداعمة للديكتاتوريات فقد رفضت دولها التسعة المنتمية لما يطلق عليه quot;التحالف البوليفاريquot; هذا التدخل العسكري الدولي المحتمل.
اعتراف نظام الوحش بعد اللعبة الروسية
وقد جاء الغطاء وتمديد الوقت للنظام من خلال الاقتراح الروسي الذي هو أقرب لسيناريو متفق عليه بين النظامين، حيث اقترحت روسيا وضع أسلحة النظام الكيماوية تحت إشراف دولي ، فيوافق النظام فورا على هذا الاقتراح، لأنّه يعرف من خلال حلفائه الروس أنّه مجرد (مناورة سياسية) سوف تستدعي العديد من الاجتماعات والمشاورات الدولية لأجل غير محدود، مما يعطي النظام الوقت لمزيد من المذابح ضد الشعب السوري بمختلف أنواع الأسلحة. وفي هذا السياق: ماذا تعني المراقبة الدولية لسلاح النظام الكيماوي؟. إنّ هذا يعني إن تم تطبيقه هو مجرد ضحك على العقول بما فيها عقول المراقبين الدوليين الذين سيتولون المهمة، فكيف يمكن رصد مواقع هذه الأسلحة كلها؟ وهل الاقتراح يقصد منه منع هؤلاء المراقبون للنظام من استخدام الأسلحة؟ وهل هذا النظام الذي قتل حتى اليوم ما لا يقلّ عن مائتي ألف مواطن سوري، وهجّر ما يزيد على ثلاثة ملايين سيعبأ بوجود المراقبين إن أراد استعمال هذا السلاح أو أية اسلحة مرة أخرى؟. ولأنّ الاقتراح الروسي مجرد مناورة سياسية لإعطاء النظام المزيد من الوقت على أمل هزيمة المعارضة وإعادة فرض سيطرته الكاملة على سوريا وطنا وشعبا، فقد وافق فورا على الاقتراح الروسي، بينما سابقا سكت سكوت الطرشان على أكثر من ضربة عسكرية لمواقع عسكرية سورية من قبل الاحتلال الإسرائيلي. وهكذا فإن دراسة آليات الاقتراح الروسي سوف تستمر طويلا، رغم اتهام الأمين العام للأمم المتحدة quot;بان كي مونquot; يوم الجمعة الثالث عشر من سبتمبر الحالي ب ( أنّ نظام الأسد ارتكب جرائم ضد الإنسانية ).
وماذا عن الجرائم المرتكبة والمستمرة منذ مارس 2011 ؟
وفي تفاصيل الإجابة على هذا السؤال تبدو للعيان ازدواجية غالبية دول العالم إزاء ما يتعرض له الشعب السوري. فقد اندلعت ثورة الشعب السوري ضد النظام مطالبة برحيله في منتصف مارس 2011 وحتى اليوم قتل النظام وهجّر الأعداد المليونية التي ذكرناها في بداية المقال، فلماذا لم يتحرك المجتمع الدولي خلال ما يقرب من عامين ونصف ضد هذا النظام؟ بينما استشاط غضبا كلاميا على قتلى السلاح الكيماوي الذين لا تساوي نسبتهم رقما يذكر مقابل القتلى والمفقودين والمهجّرين منذ مارس 2011 ؟. وهذا كأنّهم يقولون للنظام: القتل مباح بأي سلاح إلا الكيماوي.
وتوزيع الأدوار بين النظام والمطبلين له دولا وأفرادا عربا
وهذا وجه آخر من وجوه اللعبة الروسية مع النظام، فروسيا وإيران يحذران من حرب اقليمية ودولية إذا هوجم حليفهم وحش سوريا، بينما مجموعة من الكتاب والسياسيين العرب، يتناسون أن حليفهم المطبلين له وافق على الاقتراح الروسي، ورغم ذلك فهو في نظرهم ما زال نظام مقاومة وممانعة، ويرسلون تهديدات لا يجرؤ وزير دفاع الوحش أو سفيره في الأردن على التصريح بها. لذلك فإن ازدواجية المجتمع الدولي تبدو واضحة من مثالين لم تحتاج الولايات المتحدة وحلفائها فيها لموافقة مجلس الأمن الدولي على التدخل العسكري. الأولى، عندما قامت الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو بقصف النظام الصربي بعد مذابحه في إقليم كوسوفو، و استمر هذا القصف قرابة خمسين يوما لكافة المواقع العسكرية والاستراتيجية الصربية حتى وافقت صربيا على اتفاقية السلام التي أوصلت كوسوفو في فبراير 2008 إلى دولة مستقلة معترف بها. وأيضا هل احتاجت الولايات المتحدة وحلفائها خاصة بريطانيا وفرنسا إلى تفويض من مجلس الأمن الدولي، عندما بدأت قصفها الجوي المستمر ضد مواقع عميد الطغاة العرب القذافي منذ الثامن عشر من مارس 2011 إلى أن تم هروبه إلى مسقط رأسه مدينة quot;سرتquot; وأفراد عصاباته حتى لاقى مصيره الذي يستحقه في العشرين من نوفمبر 2011 ، فهل كان هذا المصير سيلاقيه لولا دعم وقصف قوات الناتو؟
لذلك ففي ظلّ هذا التردد الدولي،
لا يزال الأمل معقودا على قيام بعض الدول العربية بتزويد قوات الجيش الحر تحديدا بالمزيد من السلاح لتعزيز صمودها، لأنّ هذا الصمود في مواجهة جيش النظام القاتل، ربما يغير ويطور بعض المواقف الدولية التي تساعد على سقوط وزوال هذا النظام بما فيها التدخل العسكري الذي لا يحتاج لتفويض من مجلس الأمن الدولي إن قرّرت هذه الدول انقاذ الشعب السوري كما حدث مع شعب كوسوفو..فلننتظر!!!.
www.drabumatar.com