في صبيحة الرابع من أيلول خريف عام 1957، اخذت "إليزابيث ايكفورد" الطالبة الأمريكية من أصل افريقي خطواتها الأولى بتثاقل، في الطريق إلى مدرستها الجديدة "ليتل روك" في ولاية اركنسا، في أول أيام العام الدراسي الجديد. إلا أنه، وكما كان متوقعا فقد لوقيت بنت الخمسة عشر ربيعا بصرخات الاستهجان والشتائم. لكنها لم تفت في عضدها، واستجمعت كل ما تمتلك من شجاعة وواصلت، ليقينها بأنها تشق طريق لطالما ظل مغلقا أمام أقرانها. حيث أنه، ولحينها لم يكن مسموحا البتة لأبناء جلدتها من ذوي البشرة السوداء بالاختلاط مع البيض سواء بارتياد المدارس أو غيرها من الأماكن العامة.

إذن فحتى أواخر العام 1957 كان ذوي الأصول الافريقية، مفصولين فصلاً تاماً عن البيض في أمريكا! أما المفارقة، بأنه لم يمضي منذ ذلك اليوم المشحون بالكراهية والعنصرية سوى أقل من 40 عاماً، حتى أمتطى الساسة الأمريكيون صهوة جواد التنوير ليقنعوا العالم قاطبة بأنهم أرباب المساواة والديموقراطية الحديثة، بل وحتى أصحاب الريادة "لرياح الحرية" -بحسبهم - التي بدأت اعاصيرها تضرب بصخب إنطلاقا من ذاك الجانب المنير من العالم، لتطفا السنة نار الكراهية و تقتلع اشواك التمييز ضد الآخر! مع العلم بأنه وقبل كل ذلك بقرون عاش سكان "المناطق المظلمة" منذ بدء الخليقة وحتى أعوام قليلة خلت بسلام فيما بينهم وبين أيا كان شركاءهم بالوطن..

أما ما لايستقيم مع ركائز المنطق، بأنهم قد رسموا للقاصي والداني الصورة النمطية لهوية الإرهابي الذي يستمد سلوكياته الشائنة من قعر عقيدته المترسخة على العنصرية و"عدم تقبل الآخر". هؤلاء بحسب فرسان التنوير هم العرب والمسلمون تحديداً لأنهم بطبعهم همجيون وقتلة ومتطرفون. مع الأخذ بنظر الإعتبار، بأن الجماعة المتطرفة المعروفة ب (KKK)، والقائمة على منطق تفوق العرق الأبيض ما تزال تمارس أنشطتها على الأراضي الأمريكية حتى يومنا الحالي،على الرغم من أن أهدافها جملة وتفصيلا مخالفة لبنود الدستور الأمريكي، والذي من المفترض بأنه قد اختط من الأساس على مبادئ الحرية والديمقراطية والمساواة وعلى أن التفرقة العنصرية من ابغض المحرمات!

هي ذاتها الدولة التي شيدت أمبراطوريتها على انقاض أرض الهنود الحمر ودماءهم، ميزت وماتزال ضد ذوي اﻷصول اﻹفريقية. في ذات الوقت الذي تقتطع دعم هائل بشكل مستمر من أموال دافعي الضرائب لديها الى أعتى نظام للفصل العنصري عبر التاريخ. والذي بنى جدرانا تفصله عن العرب من أصحاب الأراضي الفلسطينية الأصليين طمعا بتهجيرهم قصريا لتطهير جغرافية أرض -هم اصلا جاؤوها مهاجرين- عرقيا.

فمنذ خريف العام 2001 والولايات المتحدة تلك، تشن الحرب تلو الأخرى على الجماعات الإسلامية المتطرفة، والتي تحمل هي نفسها على عاتقها المسؤولية عن تأسيسها ودعمها قبل 20 عاماً، لينخرطوا مجاهدين في ثورة الأفغان على نظام "محمد نجيب الله" الشيوعي، إبان حرب الولايات المتحدة الباردة ضد الإتحاد السوفيتي.

لا تخلو تلك التوطئة التاريخية في طياتها من أسئلة لابد وأن تحاصرنا بجدليتها، لتغدق تفكيرنا وتسد عين شمس العقلانية بظلاميتها؛ وتبقى بالضرورة معلقة برسم اﻹجابة. من هو على أرض الواقع "العنصري المتطرف"؟! لكن السؤال الأجدر بالانتباه من ذلك، من الذي قام بقلب الأدوار: دهائهم أم غباؤنا؟