لا أريد ان ابحر في التاريخ، التاريخ الاسلامي، وفي اوراقي كتابة مطوّلة عما جرى على الشيعة من مجازر رهيبة منذ أن انكسر علي بن ابي طالب في معركة صفين وحتى هذه اللحظة، وقد آليت على نفسي، ان تكون الاخبار الواردة في هذه المجازر دقيقة، وبتحكيم اهم مقاييس علم الرجال والرواية، حتى ان معركة صفين اخضعتها لنقد سندي قاس، وتبين لي فيما بعد إن اخبارها محفوفة بكثير من الشكوك والريب والظنون، وقد جازفت واخرجت الدراسة في كتاب بعنوان (نقد رواية صفين).
ومهما يكن من امر، لا توجد طائفة في الاسلام تعرضت للذبح والقتل والتشريد مثل الطائفة الشيعية، لا اريد ان ابريء الشيعة من مسؤولية دماء بريئة ايضا، ولكن الدم الذي استحل في الاسلام بالدرجة الاولى هو الدم الشيعي.
قلت : اني لست معنيا بالماضي، بل بالحاضر، لانني اتحدث عن مشروع الهلال الشيعي هنا، وخلفياته، ومدى صدقيته ومعقوليته، حيث اقول وانا على يقين، ان احدى الاسباب التي يدعت كثيرا من شيعة العالم الى رغبة في كيانية شيعية عالمية هي المذابح التي جرت عليهم، فهم لا ينسون فتوى الشيخ نوح الحنفي التي جاء بها : (منْ لا يؤمن بكفرهم فهو كافر) حيث تبعتها مجزرة رهيبة بشيعة الشام الكبير، الامر الذي هيا لنشوء الطائفة العلوية بكل ما تحمل من فهم ساذج للدين والاسلام، ولا ينسون ان تبادر حركة طالبان لتقتل في يوم واحد اكثر من خمسة عشر الف شيعي في هرات، ولا ينسون ان صدام حسين جعل من شيعة العراق محرقته في حربه ضد الاكراد في الشماء، وفي معركته مع ايران، ولا ينسون المجازر السنوية التي يوقعها مشتددو السنة من باكستان في الشيعة هناك، ولا ينسون اليوم ان 90 في المائة من التفجيرات في العراق هي في المناطق الشيعية، أضف الى ذلك الحرمان الذي كان وما زال كثير من الشيعة يعانون منه، فيما هم في ارض النفط، بل ارضهم هي النفط، وعمالهم هم وقوده وشعلته!
السنة لم ينجحوا وهم يقودون العالم الاسلامي بالتعامل الصحيح مع الشيعة، كان التعامل مع الشيعة من منطلق التكفير قبل كل شيء، لا أنكر ان الدولة الصفوية مارست هي الأخرى سياسة رعناء، بل دموية مع الناس، خاصة السنة، ليس في ايران وحسب، بل في العراق ايضا، ولكن كان ذلك بالتوازي مع الظلم العثماني الرهيب بحق شيعة العالم، فإن المحصلة النهائية التي يمكن ان نصل اليها من خلال قراءة تاريخ الشعوب الاسلامية قبيل أفول الدولة العثمانية وحد هذه اللحظة، كانت سياسة السنة بحق الشيعة بشكل عام هي الذبح والحرمان.
أن سنة العالم هم الاجدر بقيادة العالم الاسلامي، لانهم اكثرية، ولانهم ورثة الحاكمية السياسية للعالم الاسلامي،ولانهم اوسع جغرافية، ولان هناك شبه توافق بين حكامهم وعلمائهم، مما يعني انهم حقا الاجدر بقيادة العالم الاسلامي، ولو أن السنة اعدلوا وانصفوا ومارسوا السياسة الوسطية بحق الشيعة في العالم، لكان اليوم السنة هم سادة الدنيا في كل العالم الاسلامي، ولكن للاسف الشديد، هذا الاخفاق في التعامل مع الشيعة كان من اسباب تعثر هذه القيادة.
واليوم حيث تشتد النعرة الطائفية،بل تدخل الامة المسلمة في احتراب طائفي مقيت، يتجه كثير من الشيعة، بما فيهم الاحزاب الاسلامية ذات التوجه الاديولجي الصرف إلى ترجيح مشروع الكيانية الشيعية، او الهلال الشيعي بدرجة اضيق.
وقد كانت جماعة شباب آل محمد من اوائل الذين نبهوا الى مثل هذا المسار الذي سوف تصل اليه الامور في العالم الاسلامي، واستحقوا بسببها في البداية نقمة بعض الشيوخ والاحزاب الاسلامية، وفي مقدمتها حزب الدعوة الاسلامية في العراق!
ولكن اليس السيد موسى الصدر صاحب مشروع كياني شيعي صرف؟