لا أعتقد أنّ هناك مسخرة أو مهزلة أو ضحك كالبكا مثل ما أفرزه اندلاع ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد منذ أكثر من ثلاثة سنوات حتى اليوم. النتيجة لهذه الثورة مريرة لدرجة لا يمكن تصورها أو تصديقها لأنّها تقترب من حدود أفلام الرعب أو أفلام الخيال العلمي التي تقدّم تصورات خيالية يتحقق بعضها في أزمان لاحقة. من هذه الأفلام الخيالية التي أصبحت واقعية هي كم محظوظة الدولة التي اسمها (إسرائيل) عند البعض و (دولة الاحتلال الإسرائيلي) عند البعض الآخر. نعم محظوظة هذه الدولة التي حظيت باعتراف رسمي من أكثر من دولة عربية علنا والعديد من هذه الدول سرا، ولكن أهمّ جوانب حظّ هذه الدولة هو كسبها لرضا و ود وحنان نظام بشار الأسد و في الوقت ذاته بعض معارضيه، والمسخرة المبكية أنّ الطرفين يسعى كل طرف منهما أن يكسب دولة إسرائيل لمساعدته ضد الطرف الآخر، وبالتالي فالطرفان يهادنان ويقدمان طلبات الود والصداقة والمحبة الدائمة.

استقرار إسرائيل مرهون باستقرار نظام الأسد
وهذا ليس افتراءا على نظام المقاومة والممانعة الذي لم يطلق رصاصة على إسرائيل من الحدود السورية منذ عام 1973 ولا يسمح لأية منظمة أو جماعة فلسطينية أو غيرها بإطلاق هذه الرصاصة أيضا من الحدود السورية، هذا النظام مباشرة عقب اندلاع الثورة السورية ضده في مارس 2011 ، ناشد طالبا ود إسرائيل ودعمها من خلال quot;رامي مخلوفquot; ابن خال بشار الأسد الذي صرّح يوم الأربعاء، الحادي عشر من مايو 2011 ، لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية موجها رسالة واضحة مباشرة لدولة إسرائيل وحلفائها الأمريكان وغيرهم قائلا حرفيا: ( لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إن لم يكن هناك استقرار في سوريا، لأنّ السلفيين هم البديل عن النظام ). هل هناك طلب صداقة مع دولة إسرائيل أكثر وضوحا من طلب رامي مخلوف هذا؟. وبعد تصريح رامي مخلوف هذا توالت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين من كافة المستويات، وكتابات الصحف الإسرائيلية التي تشيد بهدوء الجبهة مع سوريا وحرص نظام الأسد الأب والإبن على أمن دولة إسرائيل، إلى حد أن بعض الاحصائيات الإسرائيلية أشارت إلى أنّ 85 % من الشعب الإسرائيلي يتمنى بقاء نظام الأسد، وقد لخصت صحيفة هآرتس الإسرائيلية يوم الجمعة، الأول من أبريل 2011 ، أي بعد أيام قليلة من اندلاع ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد، لخصت الموقف الإسرائيلي من النظام في مقال بعنوان ( الأسد ملك إسرائيل ) ورد فيه: quot;إن كثيرين في تل أبيب يصلّون من قلوبهم للرب بأن يحفظ سلامة النظام السوري، الذي لم يحارب إسرائيل منذ عام 1973 رغم شعاراته المستمرة وعدائه الظاهر لهاquot;. وضمن نفس سياق التضامن الإسرائيلي مع نظام المقاومة والممانعة، رفضت دولة إسرائيل يوم الثاني والعشرين من نوفمبر 2011 إدانة نظام الممانعة الأسدي على جرائمه بحق الشعب السوري في اجتماع لجنة حقوق الإنسان بالجمعية العامة للأمم المتحدة، لأنّه من غير المنطقي أن تدين إسرائيل جرائم نظام لا تختلف عن جرائمها بحق الشعب الفلسطيني.

ورغم ذلك فالمعارض كمال اللبواني يطلب ود ودعم إسرائيل
وهو بذلك يقدّم أسوأ صورة عن المعارضة السورية إن كان ينتمي لها فعلا، فمواقفه هذه التي أعلنها وهو عضو الهيئة التأسيسية للإئتلاف الوطني السوري المعارض، لا يمكن أن تصدر عن وطني سوري يريد الخلاص للشعب السوري من نظام الأسد المتوحش، بل هو يقدّم أفضل الخدمات لبقاء هذا النظام عندما يطلب دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر عروض لا يقبلها أي وطني سوري أو عربي، وبالتالي لا نعرف هل هي عروض لبوانية شخصية فقط أم تعبر عن رأي الائتلاف الوطني السوري الذي لم نسمع منه تأييدا أو رفضا لهنذه العروض الساذجة من ناحية والخيانية من ناحية ثانية. فمن يصدق ما ورد في هذه العروض اللبوانية لدولة الاحتلال الإسرائيلي كما نقلتها العديد من المواقع العربية كما صرّح بها لموقع quot;والاةquot; العبري الإسرائيلي الذي قدّم اللبواني بأنّه (رمز المقاومة السورية. رجلٌ يحلم بالديموقراطية والحرية والسلام، ليس فقط داخل سوريا وإنما أيضاً بين سوريا وجارتها الجنوبية إسرائيل ). فماذا قال هذا المعارض اللبواني متوجها لصديقته دولة الاحتلال الإسرائيلي:

يرى اللبواني أنّ الثورة السورية quot;أوجدت فرصة تاريخية للسلام بين الشعبين الإسرائيلي والسوري. فلدينا أعداء مشتركون ومصالح متشابهة. هذا هو الوقت، وقد يصبح متأخراً في ما بعد....أنا أعتمد على المصالح المشتركة. الشعب السوري يريد إسقاط الأسد، لكنه لا يريد أن تحلّ مكانه المنظمات الإرهابية المتطرفة. وهذا أيضاً من مصلحة إسرائيل: التخلّص من الأسد، حليف إيران وحزب الله، لكن أيضاً منع صعود القاعدة...الطريق الوحيدة للقيام بذلك هو دعم المعارضة السورية المعتدلة. العالم فشل في سوريا، لكن قد تكون إسرائيل على وجه التحديد هي الدولة المستعدة لتحمل المسؤولية والقيام بالأمر الصحيحquot;. من يصدّق هذه الهلوسات اللبوانية؟ وهل مضمونها يختلف عن تصريحات رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد؟ فكلاهمكا اللبواني ورامي مخلوف يطلب دعم إسرائيل مخوفا من السلفيين والقاعدة، والمسخرة أنّ الإثنين يطلبان من إسرائيل الشيء ونقيضه، فرامي مخلوف يطلب دعم وبقاء النظام و اللبواني يطلب التخلص من النظام. والخطير في المواقف اللبوانية هذه أنّه مع استمرار احتلال هضبة الجولان السورية من قبل إسرائيل، مستعملا كلمات ومشروعات ضبابية نتيجتها استمرا الاحتلال، فهو يقول: (أنا أعتقد بأن علينا أن نجد سوياً حلاً لمسألة الجولان بالإستناد إلى القرارات الدولية. الجولان يمكن أن يتحول إلى منطقة صناعية وسياحية مشتركة. منتزه سلام دولي، من دون أن تكون هناك حاجة إلى إخلاء الإسرائيليين ). ما معنى منتزه دولي بدون اخلاء المحتلين الإسرائيليين؟ هو بالعكس يعني استمرار الاحتلال مع توفير مناخ سياحي له يدعمه ماليا واقتصاديا في الجولان المحتل فعليا والسياحي عند اللبواني!!!.

فرغبة من سوف تلبي إسرائيل: رامي مخلوف أم اللبواني؟
بصراحة شديدة وغيرة على مستقبل ثورة الشعب السوري بعد كل هذه التضحيات، هنيئا لنظام الأسد بهكذا معارضة لبوانية فهي تخدمه على حساب دماء قرابة مائتي ألف قتيل سوري وهجرة حوالي خمسة ملايين سوري حتى الآن، والنتيجة اللبوانية هي فقط: استمرار نظام الأسد واستمرار دولة الاحتلال الإسرائيلي التي هي (الشقيقة إسرائيل) في مفاهيم ورغبات اللبواني واستمرار معاناة الشعب السوري...ورغم كل ذلك يسكت الائتلاف الوطني السوري على تصريحات ومواقف اللبواني، فهو بهذا السكوت إن كان علامة الرضى لم يعد وطنيا بل مجرد ائتلاف يركض وراء مصالح ومنافع ومناصب شخصية..فهنيئا للأسد وإسرائيل وعزاءا للشعب السوري بهكذا ائتلاف ولبواني!!!.
www.drabumatar.com