&ما الذي يمكن أن يكتسبه المهاجر في بلاد المهجر؟؟....
بالتأكيد الكثير... الكثير... لكن للوهلة الأولى يبدو المشهد صادماً لمن يمتطي غيابه ويحلم ببلاد تتنفس هواءاً مختلفاً... ربما أنقى... ربما أكثر هدوءاً... ربما أكثر رطوبة... و ربما يكون خانقاً؟؟!!...
و لكي تكون الصدمة أكبر، و وقعها على الروح أمضى من سكين في الخاصرة، فإنك تحمل عبء ذكرياتك و حنينك، و الأهم عبء إنجازاتك و نزفك على الورق و كتبك التي ابليت بلاءاً حسناً كي تتحول الى ورق و حبر... تحملها معك في صندوق كرتوني و معها كتب قراتها و شعرت للحظة أنها أصبحت جزءاً منك، و انها كزوادة الراعي يجب ان تحملها معك أينما ذهبت، فتستغني عن بعض ملابسك ليخّف الوزن الذي تحمله في الطائرة، و تستطيع ان تصطحب (أصدقاءك) الورّاقون في صندوق يثير السخرة و الغمز و اللمز من الجميع في بلاد تتنفس ورقاً و حبراً و قرّاء.
في القطار نحن فقط من ننظر للنافذة و المشاهد المتلاحقة في صفاءها، أما الأوروبي الشاب فإنه يضع سماعتي الخليوي على اذنيه و يصغي لموسيقى تناسبه، و الأوروبي الكهل و العجوز يفتح كتابه بهدوء و يقرأ غير مكترث بثرثرتنا و مشاكلنا العائلية التي علينا ان نجد لها حلولاً في القطار.... و بالطبع لا بد من قليل من " الشيزوفرينيا " عندما نتهامس معجبين بالأوروبيين يقرأون..((يا لهم من شعب مثقف و راقي )... و بالمقابل نهزأ من اهل بلدنا عندما نجدهم يحملون كتابا او يقرأون بكتاب... ((صاير مثقف والله؟؟!!)).
الأهم عندما تجد الأوروبيين يحترمون الكتاب تتسلح بالشجاعة لتعرض ((بضاعتك)) الأدبية على أبناء جلدتك اولاً لعل و عسى.... و لكن....

** أريد ان أقيم حفل توقيع لكتابي الجديد
== لا أحد يقرأ....
** إذاً أمسية أدبية؟؟
== لا حياة لمن تنادي... الناس مشغولين
** ما الحل؟؟
== المكتبة العامة.
نعم بالضبط المكتبة العامة هي الحل.... تلملم خيبتك و تحمل كتبك و تذهب لمكتبة المدينة التي تقيم بها لتهديها كتبك لعل و عسى يستعيرها أحد ما يقرأ و تصل الكلمة للناس، لكنك تفاجئ أيضاً أن الـ 290 مكتبة عامة المنتشرة في انحاء السويد و التي تضم اقسام لكتب بكل اللغات، أن أقل قسم يرتاده الناس و يستعيرون منه الكتب هو قسم الكتب العربية؟؟!!.
تُمعن في التفكير و التأمل... تغرق في مراقبة التركيبة الاجتماعية حولك فتجد أن الجالية السورية " مثلاً " لا تبدو متماسكة كثيراً بل تبدو مفككة و منقسمة كما الوطن مفكك و مبعثر الاوصال، و أن التجمع الثقافي و الادبي للجالية السورية يكاد يضمحل إلا من محاولات فردية خجولة، فمعظم المهاجرين " و خصوصاً " الذين مضى على تواجدهم في السويد أكثر من عقدين من الزمن قد تقوقعوا على انفسهم (عائلياً)، و كأنهم يشكلون ((غيتو عائلي)) لا ينفتح على الاخر " مجتمعه – قيمه – ثقافته "، بل يكتفي بلقاءات عائلية لا تسمن و لا تغني عن جوع، و تعّمق الغربة عن كل ما يحيط بــ ((الغيتو العائلي))، فيصبح الانغلاق و التقوقع أسلوب حياة و طاحونة العمل و المال تطحن الجميع و ترمي بالمهجرّين الجدد على رف الإهمال و النسيان.

كاتب سوري مقيم بالسويد&
&