&منذ تفجيرات باريس الأخيرة، التي أودت بحياة ما يقرب من 200 فرنسي، وجرح عدد لا يقل عن عدد هؤلاء القتلى، والعالم الغربي بدأ يشعر بخطورة تنظيم "داعش الإرهابي"، بعد أن تذوق مرارة إرهابه وخروجه عن النص، ونجح في الوصول إلى عواصم أوروبية، ليقتل ويفجر ويذبح، دون تفرقة بين االجنسيات المختلفة..

هذا التفجير الذي هز وأدمى قلوب الفرنسيين، دفع الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند إلى اتخاذت حزمة من الإجراءات الحازمة، منها فرض قانون الطوارئ، ترحيل أي شخص خارج الدولة من المشتبه بهم، غلق كافة حدود الدولة، ووضع الشرطة في حالة تأهب قصوى..

ورغم غلاظة هذه الإجراءات، إلا أن المواطن الفرنسي، استقبلها بأريحية ورضا تام، لأنه يتفهم خطورة الأمر، ويعلم أنها خطوات تستهدف حمايته من الوحش الداعشي الذي انطلق من المنطقة العربية نحوه، ليعكر صفو حياته ويحرمه من الأمن والأمان الذي وفرته له دولته على مر السنين..

ومع زيادة المخاطر التي تحوم حول أوروبا، قررت إنجلترا الدخول في الحرب ضد داعش، وكأنها تشعر أن الدور سيأتي عليها يوماً ما، فاختارت مهاجمة العدو في عقر داره، حتى لا تمنحه الفرصة ليتسلل إلى مدنه ويرتكب إحدى جرائمه وحماقاته ضد مواطنين أبرياء وعزل من السلاح..

الخطوة التي اتخذتها انجلترا، ليست بالدرجة الأولى تضامناً مع باريس، بل هي محاولة من جانب لندن لحماية شعبها، فرفعت شعار "خير وسيلة للدفاع الهجوم"، بعد أن أيقنت مدى خطورة هذا التنظيم الإرهابي على مستقبل الشعوب، وبعد أن آمنت أن الوحش الذي قامت بتربيته بالاتفاق مع أمريكا وغيرها، قد خرج عن السيطرة، وبدأ يهاجم أصحابه بدلاً من عدوه، وكأنه فقد عقله، بعد أن خرج عن النص، وبدأ في توجيه سلاحه نحو صدر من رباه ورعاه..!

فيما يبدو أن دول الغرب، شعرت أنها في مرمى نيران تنظيم داعش، ولن تسلم من رصاصه الذي كان موجهاً نحو بشار الأسد، بهدف إسقاطه وتدمير سوريا، تماشياً مع مخطط تقسيم الوطن العربي إلى دويلات صغيرة نتيجة تناحر فصائل مختلفة داخل البلد الواحد، مثلما حدث في العراق، وسيحدث في ليبيا واليمن قريباً..

وطالما تحدث بعض القادة العرب عن الإرهاب، ووصفوه بأنه "لا دين ولا وطن له"، وطالبوا الغرب بالتدخل للقضاء عليه، قبل أن يستفحل أمره، لكن الغرب كعادته لا يتحرك إلا بعد أن يتعرض لهجمات أو تفجيرات ينجم عنها عشرات الضحايا.. هنا فقط يبدأ في التحرك بجدية خوفاً على مستقبله، ودفاعاً عن وجوده، وحقه في الحياة الآمنة..

الطريف أن النفاق العربي، بلغ مداه بعد تفجيرات باريس، وكأنه انتقل من المحلية إلى العالمية، بعد أن كان مقتصراً على شعوبنا فقط، حيث تسابقت دول وشعوب على رفع العلم الفرنسي في أماكن عدة، كما تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى «سرادق عزاء كبير»، في نفس الوقت الذي لم نتعاطف فيه كعرب مع لبنان أو فلسطين أو مصر أو سوريا أو ليبيا، رغم أن الضحايا هنا وهناك ينتمون إلى نفس الجنس البشري..

وهل سنشهد نفس هذا التعاطف مع ضحايا مدينة العريش المصرية أمس، الذين فقدوا أرواحهم نتيجة عمل إرهابي خسيس استهدف فندق "سويس إن" بمدينة العريش والذى تقيم به اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات البرلمانية، ونتج عنه مقتل قاضي وجنديين من الشرطة وإصابة 12 من الشرطة المدنية والقوات المسلحة والمدنيين، بعد انفجار عربة مفخخة وحزام ناسف خارج وداخل الفندق.

لا أعتقد أن هؤلاء الضحايا المصريين أو غيرهم من العرب، سينالون شرف هذا التعاطف، لأنهم لا ينتمون إلى الجنس الغربي الأشقر ذات العيون الملونة، لأننا ببساطة مواطنين من الدرجة الثانية، حتى داخل أوطاننا، بعد أن رخصت دماؤنا وأرواحنا في سوق البشر.. وأصبحنا بلا ثمن.. كل هذا جاء نتيجة استلقائنا على ظهر المهانة، وانتظار من يمنحنا حريتنا، وكرامتنا، ويضعنا على طريق الديمقراطية، لكي نمارس حقوقنا كبشر أمام العالم المتقدم، والذي قد قد يفكر في احترام آدميتنا يوماً ما، ويحدد لنا سعراً مناسباً في سوق الحياة الكبير.

&

كاتب مصري

[email protected]