كنت أجلس في مقهى "رضا علوان" في الكرادة داخل، بين ثلة من الأصدقاء عندما لوح لي من المقهى المجاور وهو يبتسم ابتسامته المعهودة فرددت التحية بالمودة التي اكنها له.. كان هذا مساء السبت وبالتحديد في الساعة السابعة والنصف كما أظن..

في مقهى "رضا علوان" الذي تحول الى منتدى للمثقفين والفنانين، بعد أن عزت عليهم أماكن اللقاء في بغداد الشاسعة، غالبا ما ينوس الخوف الخفي في نفوسنا ونحن نرى المقهى يغص بالرواد.. إنها فرصة ذهبية للأوباش الدواعش..هذا هو الهاجس المشترك بيننا، لكننا، مع ذلك، نعود في كل مساء لنجلس في المقهى غير عابئين بهواجسنا اليومية.

مرت من جنبنا الشابة الأنيقة مراسلة قناة الحرة عراق، صابرين كاظم، فتوقفت لتسلم وتتبادل معي الحديث عن اطلاق فضائية المدى، فقلت لها شاهدت بالأمس عشرات التاكسيات وهي تحمل الاعلان عن القناة..

كان عمار الذي لوح لي من المقهى المجاور بابتسامته المعهودة يجلس مع ثلة أخرى من الأصدقاء الفنانين، وكما في كل مرة كان يخوض نقاشا معهم، تصورت، وأنا أراه من المقهى المجاور، أن النقاش لابد أن يكون حول القوانين المعطلة في البرلمان وحول المصالحة الوطنية والأمن والسلام والديمقراطية والاعلام الحر المستقل.. تلك هي هموم عمار، التي ترك زوجته واولاده في المهجر وعاد الى العراق من أجلها، مثلما هي همومنا المشتركة..

غادرت مقهى "رضا علوان" قبل الثامنة كي ألحق بنشرات الأخبار. ولوحت لعمار من بعيد فرد التحية بابتسامته المعهودة، لكن عمار رحل.. نعم رحل في غفلة منا.. يإلهي.... صدمت ولم أصدق الأخبار.. للتو كنت أبادلة التحية والابتسامات، كيف رحل ومتى غادر المقهى، ولماذا عمار بالذات، هذا الشاب الممتليء حيوية ونشاطا ومودة وابتسامات ومحبة وحرصا على العراق وعلى أهله.. في مالله عمار الحبيب، لن نترك مقهانا ولن يرعبنا الأوباش الذين اغتالوك.. لست مع علي وجيه الغاضب على وطنه..سنظل نبتسم ونكتب ونناقش أحوال بلادنا.. لن ننساك عمار. سنحتفي بذكراك كلما مر طيفك في مقهى رضا علوان.

&

*الشهيد عمار هو مدير معهد صحافة الحرب والسلام في العراق، وهو نجل المفكر والكاتب غالب الشايندر