لا يختلف اثنان على أن ما قامت به الفتاة الكردية فريناز خسرواني قد لا يستطيع الكثير منا نحن معشر الرجال مقاربته، ويبدو أن مفهوم الكرامة الشخصية عندها كان في لحظة الانتحار في أعلى مناسيبها، ولا أحد يعلم حقيقةً ما إذا كانت شجاعتها قد بنُيت في مخيلتها على أساس كرامتها الشخصية، أم أنها أثناء محاولة الاعتداء كانت تفكر بالمجتمع نفسه الذي تنتمي إليه، وبالتالي كان رد فعلها قد تجاوز ذاتها، ونتيجة لذلك التفكير اندفعت باتجاه الخلاص من براثن الدواب الأمني، لتلقى مصيرها الذي يمكن أن تلقاه أية فتاة في مجتمعٍ مطلوب من المرأة فيه بالحفاظ على ما يتم تدنيسه من قبل الكثير من رجالها.

ولكن التساؤل المطروح هو يا ترى لو أن حادثة انتحار فريناز وهَبة المُدن الكردية في كردستان إيران جاءت قُبيل حلول الربيع العربي على المنطقة، وقبل أن يثور السوري على نظامه الآثم ماذا كان سيكون موقفه مما حدث ويحدث في مهاباد من الهتك والعنف الفظيع الذي يمارسه أزلام النظام الايراني بحق الكرد في المدينة، أما كان سيقال حينها وبكل بساطة من قِبل الذين يحاولون اليوم النيلَ من ايران من خلال انتفاضة المهاباديين عن أن الثائرين هم عملاء للأمريكان، وأنهم يحاولون تشتيت الأمة الاسلامية، هذه الديباجات الجاهزة منذ خمسين سنة لدى كل شعوب المنطقة، ولكن يبدو بأن من إحدى العادات السيئة لدى الانسان الشرقي بوجهٍ عام، هي أنه لا يقدر على إنصاف الآخر، إلا بعد أن يتجرع هو نفسهُ ما تجرعهُ الآخر، وهي سمة عامة لدى المثقف والمواطن العادي على حدٍ سواء، وقد تستثني حالات فردية لا ترقى الى القياس عليها باعتبار لا تأثير لها على الرأي العام، ومن هذه الزاوية تحديداً يمكن للآخر أن يطعن في ادعاءنا بالحس الانساني تجاه الغير، إذ ليس من المنطقي أن يحترق كل واحد منا حتى يدرك بأن الحرق خطير ومؤذي ومؤلم.

ولعل ما يحدث هذه الأيام في ايران يحرض الذاكرة على استحضار تجارب مماثلة في المنطقة، ومنها مثلاً موقف دول الخليج الذي كان يدافع ليل نهار عن النظام العراقي، بل والذي كان يدعم آنذاك توجهات طاغية العراق صدام حسين في حربه مع إيران من خلال وسائل الإعلام وفي الشارع على حدٍ سواء، حيث اعتبروه ولمدة طويلة حامي البوابة الشرقية، كما كان الأسد بالنسبة للسوريين القائد المُفدى والممانع الأول في الوطن العربي، فحتى النخبة الثقافية لم تشذ عن هذه القاعدة، ولعل الكثير من متابعي الأدب يتذكرون ما جاء في ديوان الشاعرة الكويتية سعاد الصباح التي كانت تمجد الزعيم العراقي أبو عدي، وقد خصصت قصيدة كاملة في ديوانها الذي صدر عام 1986 باسم "فتافيت امرأة" عن بطولات جيشه الباسل آنذاك تحت عنوان" أعطني خوذة جندي عراقي وخذ ألف أديب" إلا أن احتفاءها ببطولات ذلك الجيش وقائده الملهم لم يدم طويلاً لدى الشاعرة، خاصة بعد أن احتل العراقيون دولة الكويت وذاق حينها الكويتيون ما كان يتذوقه العراقي من النظام الدكتاتوري منذ زمن، حتى سارعت الدكتورة سعاد في عام 1990 الى نشر كتابها الذي يصف وحشية وهمجية العدوان من قبل جيش أبو عدي وقد سمته آنذاك " برقيات عاجلة الى وطني"، إذ أن الشاعرة الحساسة والشفافة في مجمل أشعارها لم تستطع أن تلاحظ عسف النظام العراقي البائد إلا بعد أن كان بلدها الضحية الجديدة له، وفي سوريا لا شك بأن الوضع كان أشد عسفاً وقذارةً مما هو في العراق، وثمة حالات لا تحصى عن إذلال الجيش والأمن السوريين للشعب اللبناني بعد أن دخلت قوات الأسد لبنان تحت مسمى قوات الردع العربي، إذ ظل أغلب اللبنانيين ولأسبابٍ ما يتغاضون عن جرائم وانتهاكات جنود وضباط النظام السوري على امتداد الخارطة اللبنانية، بدعوى أنهم جاؤوا لحماية لبنان من اسرائيل، وكأن لمن يحميك الحق في إذلالك وانتهاك أعراضك ليل نهار، وعليك فوقها شكره والتصفيق لدناءته أيضاً، وتجارب عسف السوريين بحق السوريين أنفسهم لا تقل عما فعلوه باللبنانيين، ومنها مجازر مدينة حماه حيث الكل بقي ساكتاً ليس فقط لأن النظام مستبد وقاتل إنما لأن الخلاص الفردي هو كان الهاجس الرئيسي لدى جميع السوريين حتى ممن كانوا يعدون من أصحاب الفكر والرأي منهم، ولعل ما فعله يوماً الأمن المركزي السوري في التسعينات بسكان بلدتي مضايا وسرغايا من الاعتداء والنهب والجور الذي لاقاه سكان البلدتين، والتي لا يفعلها بأبناء بلده إلا من كان نذلاً ومستبداً وجائراً من العيار الثقيل، ولكن من تحدث عنها، الكل سكت حينها لطالما أنه لا يخسر شيئاً، واليوم وبعد أن طغى نظام الأسد حتى رأينا الكثير من مداحيه وقد صاروا من المعارضين، لا بسبب إحساسه الانساني بما يتعرض إليه الأخرون طبعاً، إنما بعد أن احترق هو أيضاً بالنار التي كان هو جزءٌ من حطبها الذي ظل طويلاً يحرق غيره.

لذا فمن المؤكد بأن النظام الإيراني لا يقل سوءاً عم نظام صدام والأسد، بل ومن الطبيعي ان يكون أسوأ من نظام الأسد باعتبار أنهم أساتذة القابع في قاسيون، ولكن بنفس الوقت فمن غير المنطقي أن نرشق الايرانيين بالمواعظ الثورية، وندعوهم الى الانتفاض ضد حكام قم، ونرشدهم الى أقصر الطرق للتخلص من نظام الملالي، طالما أننا أنفسنا عاجزين عن فعل ذلك مع حكامنا، بعد أكثر من أربع سنوات من الانتفاض على فرعون دمشق، رغم كل التضحيات الجسام التي قدمها الشعب السوري ولا يزال يقدم، وهل حقاً نحن مع حقوق الشعب الإيراني للتخلص من نظلم الاستبداد؟ أم لمجرد أن إيران تدعم النظام السوري وبناءً على ذلك نود أن تشتعل الثورة في إيران ولو تم التضحية بنصف سكانها من خلال الانتفاض، وذلك فقط لكي يشفى غليلنا من السياسة النتنة للنظام الايراني تجاه الشعب السوري، ولو كان ذلك على حساب نصف الشعب الإيراني الخاضع لسطوة نظامٍ هو لا شك أسوأ وأقذر من النظام السوري المجرم.&

&