&أثارت تعليقات الذوات القراء على مقالتي "داعش: صناعة اسلامية بثقافة عربية" الكثير من الامور التي لا علاقة لها بواقع التحليل الذي طرحته والموضوع الذي تناولته، والفكرة اساسا تدور حول نقل الاديان من بعدها السماوي الى الابعاد الاجتماعية والسياسية، لان هذه الاديان ومنها ديننا الاسلامي طرحت على بشر لهم معتقداتهم وتقاليدهم، فكانت ثورة اجتماعية على الارض لها بعدها السماوي، ان صح التعبير، و لست برجل دين، لم اناقش ما اجده جريمة اجتماعية كبرى في اعادة البعد الاجتماعي الوضعي، الى منهجه الاستغلالي، بتوظيف البعد السماوي في خدمة اصحاب الثروة المادية مقابل البعد الاجتماعي الاخر الذي وظف الحق الشعبي في التغيير لمفهوم المساواة الاجتماعية في نموذج اشتراكي متقدم حتى على النموذج الشيوعي في بيان ماركس وانجلز بعد اكثر من 1200 عاما.

&وطيلة اعوامي الثلاثين ونيف في عالم الصحافة، فهمت ان رد الافعال على رأي، تمثل القياس المناسب لميول الجمهور، وعلى الرغم من عدم معرفتي بأعداد الزوار لهذه المقالة والدول التي كانوا منها، الا انه على ما يبدو ان جمهور موقع ايلاف الغراء يدور في ثنائية محددة، الاولى توظيف المعلومة لصالح التنافس المسيحي والقبطي خاصة في مصر مع الميول الواضحة للمجتمع المصري المسلم نحو الاخوان المسلمين وهي ما انتجته ثورة فبراير وانتهت الى فوز محمد مرسي في انتخابات رئاسة الجمهورية، لكي يصعق مرة اخرى المجتمع المصري وعبر ذات اليات اساقط الرئيس محمد مبارك في حشد ساحة التحرير، ليقفز العسكر مرة اخرى الى منصة السلطة من بوابة المطالبة الشعبية، مما يؤكد ان المداخلات النابعة من التطرف المسيحي قد سعت لتوظيف ما ورد في المقالة للنيل من الدين الاسلامي في مقتل الارهاب الداعشي، واغفلت ما ورد حول براءة الاسلام من هذه التطبيقات كدين واتهام السلطان ووعاظه بتوظيف الثابت الديني لصالح متغيرات الحاكم في سوس رعيته، وهي نبرة اجدها تضليلية، ولا تصب في مضمون التعايش السلمي للمجتمعات العربية في اطار حكم علماني عادل.

&النوع الثاني من التعليقات، كان بنبرة طائفية، وهي حالة واضحة المعالم، وهي مصيبة نتاج هذه التطبيقات الداعشية للثابت الديني، وهي ذاتها في احيان اخرى تطبيقات شيعية متطرفة في التعاطي مع ذات الثابت، وفي كلا الحالين اجد نفسي مهددا من الطرفين ومتهما بشتى انواع التهم، التي ربما تصل الى التهديد بالقتل!!

&لماذا اكتب ما انشره؟؟؟

&في احد محاضراته، عن دور المثقف في مجتمعه اواسط الثمانينات من القرن الماضي، شدد المرحوم الاستاذ الدكتور حامد ربيع على ان دور المثقف ان يقول كلمته ويمضي لإرضاء ذاته اولا، وتأكيد دوره في مجتمعه وافق على رايه السلطان ام رفضه، قبل بما يطرحه المتطرفون من شتى المذاهب الاجتماعية ام رفضوه، تناقشوا فيما يطرحه ام اهمل، فان الحقيقة الراسخة ان دور المثقف العربي في مجتمع متغير، ان يعزز الثبات الاجتماعي على محاور التعايش السلمي ويرفض افكار التطرف مهما كانت هذه الافكار مقحمة على الحياة الثقافية العربية.

&هذا الكلام كان حول استشرافه دور المثقف العربي وهو يواجه نتائج الحرب الايرانية - العراقية وصعود تيار الاسلام السياسي، وامكانية ظهور تنظيمات متطرفة على الطرف الاخر تحاكي نموذج تصدير الثورة الايراني، يمكن ان تبرز من تنظيمات الاخوان المسلمين التي اغتالت الرئيس انور السادات، والتي يمكن ان توظف في قتال المجاهدين الافغان بتنظيماتهم المدربة من قبل قوات المارينز الامريكية والممولة من قبل دول خليجية معروفة، لينهي الامر الى عودة من اسماهم بقنابل الثقافة التكفيرية الى دولهم، وتهز مجتمعاته بقوة يمكن ان تنتهي بتحطيم اللحمة الاجتماعية التي تعايشت بشتى الظروف وتحت مختلف انواع السلطات، وهكذا كانت توقعاته في محلها، لكن دعوته للمثقف العربي الاسلامي في مواجهتها، فشلت بسبب تزايد الشحة ما بين قدرات المثقف على مواجهة السلطان، مرة كونه دكتاتور، واخرى كونه تحول الى دكتاتوريات حزبية، فتحولت معركة المصير الواحد اياها الى نموذج للحفاظ على سلطة صدام حسين، وتحول الدفاع عن المكون القومي والطائفي في عراق ما بعد 2003 الى نموذج اقبح لتشتيت ريح المجتمع العراقي وهو ما حصل عبر ثورات الربيع العربي فيما بعد بتسميات متعددة، وايضا لم يتضح دور المثقف العربي في التعاطي مع نتائج هذه الفوضى التي ارادها المحافظون الجدد في لوبيات اسرائيل داخل الادارة الامريكية ان تكون خلاقة فانتهت الى ما انتهت اليه في انتاج داعش ومن قبلها القاعدة.

&مشكلة الكثير من المثقفين العرب، انهم يتعاطون مع الثابت بعقلية المتغير، فالذات الالهية ثابت غير قابل للنقاش في التوحيد والايمان بالخلق، لكن المتغير في الديانات السماوية انها تتحول بسرعة من معطيات ثابتة للمجتمع بثياب الدين الجديد، الى ثياب تفصل على مقياس اصحاب الثروة، وهكذا تحولت اليهودية والمسيحية والاسلام الى هذه الانماط من الحكم بالحق الالهي، والتي تتعامل مع عقلية الانسان بمخاوفه من المجهول الديني، فاضحت ترجمة الانجيل من اللغة الرومانية القديمة الى اللغات الاوربية المعاصرة نوعا من تخلص البرجوازية الصناعية من سلطات الكنيسة، والانطلاق بالدولة القومية الى بر الامان بعد توحد المانيا البروسية، وايطاليا،لكن القران الكريم كتب بلغة عربية فصحى، تعد من وجهة القوميين العرب احد معالم وحدة الامة العربية، وهي اليوم تواجه هذا الانقسام العشوائي في لغة التفسير لنصوصه، والاختلاف حول اليات تنفيذها لأسباب تتعلق بمن يوظف النص الديني لخدمة اهدافه، والمصيبة ان هذا التوظيف داخليا وخارجيا يجد من يستمع اليه باذان صاغية.

&مشكلة اليوم، ان المثقف العربي، بدلا من مناقشة ما يمكن ان يكون في غده، يناقش ما يمكن ان يزيد من انقسامه، ويعضد الكثير من الطروحات المتناقضة في اصول الدين، حتى بات رجال الاسلام السياسي، على منصة السلطة، يسعون لزيادة حالة الانقسام من اجل المزيد من النفوذ، انها في الاصح اجتماعيا مسؤولية من يقول بالثقافة، ويتصدى لها، لا ان تترك للمنابر المذهبية التي تزيد في حالة الانقسام اثاما، والمطلوب ان يتصاعد الضغط الشعبي بقيادة الطبقة الوسطى، على المنابر الدينية، بمختلف ميولها واتجاهاتها، ومن اي الاديان، لفهم مضمون كلمة المواطنة، واصول العقد الاجتماعي في السلطة، والحشد الشعبي المصري الذي اسقط حكم الاخوان المسلمين، مطلوب منه ايضا الاتيان بالخط الوسطي للإسلام ليس قولا، بل في افعال صحيحة، وهي الفريضة الغائبة عن الكثير من المثقفين العرب لعل وعسى ان تكون كلماتي قد رمت حجرا في بركة الانهيار الكبير لعلها تبدأ في بناء فكري جديد.

[email protected]

&