&مرّت قبل أيام قليلة ذكرى ميلاد عملاق الأدب العربي، عباس محمود العقاد، الأسواني المولد في 28/6/1889. وهو الذي بقفده في 12 مارس 1964، دخل القارئ والمثقف العربي المتتبع لإبداعاته في "نستالوجيا" لا علاج لها إلا في "عقاد آخر" بمثل نتاجه الغزير الموسوعي القيّم الذي غطى شتى المجالات الأدبية (العربية والعربية المقارنة) والسياسية والتاريخية والدينية... والصعوبة هنا في أن يتكرر مثل العقاد ليس فقط فيما ذكرت من تبحره في شتى مجالات العلم الأدب، - ومن سيُنكر علي هنا إن أنا وصفته بأنه كان "قوقل بشري"؟! - فضلاً عن كونه ماركة أسلوبية فخمة جداً في الكتابة. بل في أن الرجل رحمه الله – صدق أو لا تصدق – لم يحظ في بداية حياته سوى على قسط زهيد من التعليم النظامي الذي اقتصر على الابتدائية! واعتمد على الوصول إلى ما وصل إليه عبر فهمه للأمر الإلهي "إقرأ"، والذي بفهمه العميق لهذا الأمر وصل إلى المرحلة المنطقية الأخرى والوحيدة التي تشكلها حروف "إقرأ" وهي.. "أرقى"!، ولا عجب بعدها إن قال، "أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني"!. بل ووصل في حد الثقة بقدرته التثقيفية الذاتية إلى أن قال، "إن كانت هناك كلمة إنجليزية لا يعلمها العقاد فهي ليست بالإنجليزية"! والشاهد أن هذا الرُقي جعل منه حرفياً مدرسةً ينهل منها من أمثال كاتب السطور الذي يحمل درجة الماجستير!

وبعيداً عن الاستطراد في ذكر "عبقرية العقاد" – والتي يطول فيها الشرح وتحتاج لمن هو مختص، فقد آثرت أن أتطرق في ذكرى العملاق إلى زاويةٍ غفل عنها الكثير ممن ساح في "سلطنة" العقاد الأدبية، وهي في تجرده الأدبي وفراسته، ولعل في المثال التالي ما يُغني عن التفصيل:

تناول العقاد في مقال له نُشر بجريدة الأخبار المصرية في عام 1962، تحت عنوان "من كتابنا أحق بجائزة نوبل"، خبر حصول الكاتب الأمريكي جون شتاينبك حينها على جائزة نوبل للآداب، وقد انتقد في مقاله تلكؤ لجنة الجائزة في منحها قبل الآن شتاينبك، نوبل الأدبية على الرغم من وقوفها وتحققها من مزاياه الأدبية قبل نحو عشرين سنة. ثم مضى العقاد في مقاله مستنكراً تجاهل لجنة جائزة نوبل، لأدباء العالم العربي، عبر تقديمه لأربعة من كتاب القصص الطوال والمسرحيات – وهما مجالي شتاينبك – وهم كما ذكر يفضلون شتاينبك في بعض المزايا ولا يقصرون عنه في واحدة من مزاياه، والمعنيون هم كل من: ميخائيل نعيمة، ومحمود تيمور، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ. وقد استأثر هذا الأخير بمديح من العقاد، علا قمم البقية. ليأتي العام 1988، أي بعد قرابة عشرين عاماً من مقالة العقاد لتتحقق رؤيته في ابن بلده نجيب محفوظ ويحصل عامها على جائزة نوبل للآداب. فسبحان رب المشرق والمغرب الذي جمع بين عشرين سنة شتاينبك وعشرين سنة محفوظ!&

رحم الله عبقري الأدب العربي، وأنقل عنه – مع كامل تجردي! – فيه!، "... وللعباقرة ولعٌ بعالم الغيب وخفايا الأسرار على نحو يلحظ تارة في الزكانة والفراسة، وتارة في النظر على البعد...".

وما خُفي في عبقرية العقاد أعظم!