&

الخليج والآخر هو عنوان الإصدار الثالث في سلسلة "الثابت والمتحول" السنوية من مركز الخليج لسياسات التنمية (الكويت). الغرض من هذه السلسلة هو الدعوة المتواصلة للتطرق إلى أوجه الخلل المزمنة التي تعاني منها دول الخليج العربية، بهدف الوصول إلى مبدأ الدولة المستقلة المبنية على الديمقراطية والتنمية والتكامل بين أعضائها.

&كما في الإصدارات السابقة، فإن هذا الإصدار إرتكز في إعداده على مساهمات أكثر من 14 باحثا ومختصا من الدول المعنية، إنطلاقا من المثل الشهير الذي يقول "أهل مكة أدرى بشعابها"، وأن شعوب المنطقة هم المعنيون بتبعات ما يحصل لها، حيث تجمعهم وحدة الأرض والمصير. يتطرق هذا الإصدار إلى أهم التطورات في كل دولة من دول المجلس في عامي 2014 و 2015، بالإضافة إلى التركيز على بعض الملفات المعمقة في كل من أوجه الخلل المزمنة.

يركز هذا الإصدار على موضوع "الخليج والآخر": حيث يقال إذا أردت التعرف على ذاتك، فعليك تحليل علاقتك بالآخر. تم إعتماد هذا المفهوم كنقطة إنطلاق لتحليل علاقات مجتمعات الخليج مع الأطراف الفاعلة في تحديد مصيرها، سواء في الداخل كالعلاقة مع الوافدين، أو في الخارج بما فيها دول الجوار والقوى الغربية الفاعلة. لقد أصبح هذا الموضوع ملحا اليوم، لا سيما وأن الخليج والعالم العربي يتعاطى مع مرحلة متفجرة سياسيا في ظل تصاعد وتيرة التغيرات داخليا وفي المحيط الأوسع، مما يتطلب فهم طبيعة العلاقات بين مجتمعات الخليج والقوى الفاعلة الأخرى الإقليمية والدولية في هذه المرحلة.

الإصدار الثالث لخص أوجه الخلل المزمنة في أربعة: الخلل السياسي المبني على الإستئثار بالسلطة وتدني المشاركة الشعبية في إتخاذ القرار، والخلل الإقتصادي المتمثل في الإعتماد المطلق والمتزايد على النفط كمصدر رئيسي للدخل وكمحرك لسائر القطاعات الإقتصادية، والخلل الأمني المتمثل في عدم مقدرة دول المجلس على تأمين حمايتها العسكرية والأمنية منفردة، وإستمرار إتكاليتها المزمنة وشبه المطلقة على القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بغرض توفير الأمن الخارجي لها. أما الخلل السكاني فيتمثل في دول يشكل فيها وافدون غير مواطنين نسبة عالية من سكان وقدرات المجتمع الإقتصادية والثقافية والإجتماعية لفترة ممتدة ومتصلة من الزمن.
&

الخلل السياسي

تدل الأحداث في عامي 2014 و 2015 على عدم وجود بوادر إنفراج في الخلل السياسي. فمع إنتصاف عام 2015 بات واضحا أن المنحنى الأمني هو السائد على المشهد السياسي في دول الخليج العربية، سواء على المستوى الداخلي في التعاطي مع المعارضة المحلية في كل دولة، أو على المستوى الإقليمي في العلاقات مع دول الجوار. فعلى المستوى المحلي، لا زال الخيار الأمني يشكل الإستراتيجية المتبعة في الإمارات والبحرين والسعودية، ولوحظ أيضا تصاعد وتيرته في الكويت.

وقد أصبح الإنقسام السياسي هو السمة الطاغية في الدول ذات البرلمانات المنتخبة كالكويت والبحرين، وقد لجأت المعارضات السياسية في هاتين الدولتين إلى مقاطعة الإنتخابات البرلمانية لعدم تجاوب السلطة لمطالبها، حسب وجهات نظرها. أما على المستوى الإقليمي، فتفجر الأوضاع على كل حدود دول المجلس، أكانت في سوريا أو العراق أو اليمن، والعلاقات العدائية المتبادلة مع إيران، يؤكد بأن التعاطي الأمني هو الخيار السائد.&
&

الخلل الأمني

يستحوذ قسم الخلل الأمني، والذي بطبيعته يركز على علاقات دول المجلس مع القوى الإقليمية والعالمية، على نصيب الأسد في هذا الإصدار. لقد عرف الخلل الأمني في الإصدارات السابقة بأنه عدم مقدرة دول المجلس على تأمين سيادتها وحمايتها العسكرية والأمنية منفردة، وإستمرار إتكاليتها المزمنة وشبه المطلقة على القوى الغربية، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وذلك بغرض توفير السيادة والأمن الخارجي لها. ولا يبدو أن هناك تغير جوهري، إذ لا زال يتواجد حوالي 50 ألف عنصر عسكري أجنبي في دول المجلس ومياه الخليج، بينما تستمر دول الخليج في كونها الأعلى إنفاقا على الأسلحة وعلى جيوشها على مستوى العالم.&
&

الخلل الإقتصادي

لا يزال الخلل الإقتصادي مستمرا عبر إعتماد دخل الحكومات شبه المطلق على ريع النفط. ففي الوقت الذي يرى فيه العديد من الخبراء الإقتصاديين أن الطفرة النفطية الثالثة قد شارفت على الإنتهاء، إلا أنه لا يبدو أن دول المجلس قد إستفادت من تجاربها السابقة. فعلى الرغم من أن أسواق النفط مرت بفترات رواج سابقة تلتها فترات ركود، تصرفت دول المجلس مع الطفرات النفطية في العقد المنصرم كما لو أنها فترات رواج دائمة، فأخذت الدول جميعها - دون إستثناء - تتسابق في زيادة إنفاقها بنسبة لا تقل عن 13% سنويا، حتى أصبح سعر برميل النفط المطلوب لمعادلة الميزانية يتجاوز ألـ 100 دولار في بعض دول المجلس. وفي الربع الأخير من عام 2014 إنخفض سعر البرميل ليفقد أكثر من 50% من قيمته السابقة، كاسرا بذلك الكثير من القواعد والمسلمات في تلك الفترة.

تطرق البحث في الخلل الإقتصادي إلى فرضية إستدامة الوضع الحالي في ظل إزدياد الإنفاقات من جهة، والإعتماد شبه المطلق على الإيرادات النفطية من جهة أخرى. والفرضية التي يختبرها البحث هي: لو تواصلت أنماط ومعدلات النمو على وتيرتها نفسها على المدى العقود الثلاثة الماضية، هل يعتبر الوضع الحالي مستداما؟ توصل البحث إلى نتيجة تؤكد أن الإستمرار على هذا المنوال غير ممكن على الإطلاق، فدول المجلس التي يتكون القسم الأكبر من ميزانياتها من نفقات جارية كالرواتب وغيرها يصعب خفضها بسبب تركز أغلبية المواطنين في القطاع الحكومي. وعليه، سوف تتضاعف إنفاقاتها في غضون أقل من 20 سنة إذا إستمر الحال على ما هو عليه حاليا، وستتطلب أن يصل سعر برميل النفط إلى ما فوق ألـ 200 دولار في بعض الحالات. كما أن نسبة إستهلاك النفط محليا في إرتفاع مستمر، مما يقلل من نسبة النفط الذي بالإمكان تصديره، وهذا بدوره يسبب ضغطا كبيرا على ميزانيات دول المجلس، حيث أن النفط يباع محليا بسعر مدعوم بنسبة كبيرة.
&

الخلل السكاني

لا تزال التركيبة السكانية الفريدة من نوعها في العالم على حالها في دول المجلس منذ عقود من الزمن، حيث إرتفع عدد السكان بنسبة 3% عن السنة السابقة ليصل إلى 51 مليون شخص في عام 2014م، 52% منهم مواطنين و 48% وافدين. ويشكل الوافدون أغلبية العمالة في دول المجلس، حيث شكلوا 69% من إجمالي عدد العمال في المنطقة البالغ عددهم 22 مليون شخص. وإذا إستمرت وتيرة النمو الحالية، فسيصل إجمالي عدد السكان في دول المجلس إلى 100 مليون شخص بحلول عام 2030م، يشكل الوافدون نسبة 60% منهم.&

وقد ركز البحث في الخلل السكاني على تحليل الحملة في السعودية التي عرفت بإسم "حملة تصحيح أوضاع العمالة الوافدة"، التي أدت إلى ترحيل مئات الآلاف من الوافدين الذين لم يستوفوا شروط الإقامة. وكما يشير البحث، فإن الحملة تمثل حقلا غنيا لدراسة سوق العمل والتركيبة السكانية في دول المجلس، إذ أنها أول مبادرة في الألفية الثالثة من دولة إنتهجت إستراتيجية نشطة لمواجهة المشاكل البنيوية في سوق العمل وفي التركيبة السكانية، خصوصا أنها أكبر دولة في الخليج سكانا وإقتصادا. وبما أن الحملة أثرت على مئات الآلاف من المقيمين في السعودية، أكانوا وافدين او مواطنين، فإن من المهم تتبعها ودراستها بما في ذلك دوافعها وتأثيراتها في أصحاب المصلحة، وأراؤهم فيها ونتائجها وتبعاتها.

كما يشمل الإصدار ملفا معمقا حول العلاقة التاريخية ما بين دول المجلس واليمن، والذي من المؤمل أن يساهم في فهم التطورات المتصاعدة في اليمن. كما يتضمن دراسة ترصد بشكل منهجي لحالات التطبيع مع الكيان الصهيوني على المستوى السياسي والإقتصادي في دول المجلس، في محاولة لإعادة البوصلة نحو القضية المحورية في العالم العربي، أي فلسطين.

يبدو أن صعوبة ظروف المرحلة الراهنة والمسؤوليات المتنامية الناتجة عنها قد أربكت صناع القرار، والتي تعاملت مع التحديات بما فيها "الآخر" في الداخل وفي الإقليم كتهديدات أمنية أساسا. ولكن الحلول الأمنية هي بمثابة تأجيل إنفجار الأزمات، أكانت متمثلة في حراك معارض موسع، أم في تفاقم أعداد الوافدين الطالبين للقمة العيش، أم نشاطات مسلحة في دول إقليمية مجاورة.

وفي الختام، يشير الإصدار إلى أن هذه التحديات تتطلب نقاشا صريحا يشارك فيه كل من له مصلحة في إنجاح هذا المشروع، أي المواطنون جميعا دون إستثناء، بإعتبارهم المعنيون أساسا بمستقبل الخليج، حيث تربطهم وحدة الأرض والمصير المشترك. الهدف هو الوصول إلى بناء دول ليست قوية بأجهزتها الأمنية، بل قوية بسواعد أهلها وتكاتفهم.&

هذا الإصدار القيم والمعمق يستحق أن يقرأه جميع مواطني دول مجلس التعاون الخليجي. هذه المقالة المتواضعة ما هي إلى ملخص مأخوذ من الملخص التنفيذي للإصدار. لمن يرغب في قراءة الدراسة كاملة يستطيع الاطلاع عليها من مصدرها في&مركز الخليج.

&