أحببت الادب منذ الصبا، شعراً ونثراً. وقبل الثانوية كنت قد قرأت كل كتب المنفلوطي، وتجاوبت معها، وكذلك روايات الجيب التي كانت تصدر في القاهرة، وأحاديث جدتي لسهير القلماوي.
الادباء الذين احببتهم، واثروا علي كثيرون، انما هنا اتحدث عن ادباء عرفتهم شخصياً، وكانت لي مع العديد منهم علاقات وثيقة.
كان للمرحوم والدي أصدقاء من الادباء منهم القصاص عبد الوهاب الأمين والشاعر الجواهري والشاعر محمد صالح بحر العلوم.
عرفتهم من خلاله لسنوات طويلة قبل ان التقي بالجواهري في براغ وفي السجن ببحر العلوم. وعن علاقتي بالجواهري كتبت الكثير في مقالات وكتب، ولا اريد التكرار هنا.
في كلية دار المعلمين العالية تعرفت على بدر شاكر السياب، وصرنا صديقين قريبين، وكان يزورني في البيت، ونقضي ساعات في مقهى(عرب) قرب الكلية. أعجبت بشعره وكان ديوانه الخطي (ديوان شعر) يدور بين الطالبات والطلبة، وفيه غزل وشكوى.
يا ليتني أصبحت ديواني&&&&&&&& &أختال من صدر إلى ثان
قد بت من حسد أقول له &&&&&&&& &يا ليت من تهواك تهواني
ألك الكؤوس و لي ثمالتها &&&&&& و لك الخلود و إنّني فان؟
يا ليتني أصبحت ديواني &&&&&& أختال من صدر إلى ثاني
وكان من يحبها الطالبة الجميلة لمعان البكري. كنت قد سبقته صنفاً، وعندما سافرت عام 1945 للقاهرة لأطبع مذكرات عاطفية، حملني ديواناً خطيا لأعرضه على الشاعر علي محمود طه ليكتب المقدمة. وقد التقيت بالأخير بضع دقائق ووعد خيراً وبعد شهور كتب انه فقد المخطوطة.
ورغم ان السياب هاجم اليسار بشراسة بعد ثورة 14 تموز، فإنني لم انقطع عن تذوق شعره ومعرفة دوره الشعري التجديدي. وعندما نشر الشاعر سامي مهدي في منتصف الثمانينات دراسة تجرد السياب من كل دور تجديدي، انبريت للدفاع عنه في عدة مقالات.
وفي السجن الطويل تعرفت الى الشاعر الكردي الراحل عبد الله كوران والى قريبي الشاعر زاهد محمد ومحمد صالح بحر العلوم والى الشخصية الظريفة حسين مردان، صاحب الأسلوب الشعري المبتكر القريب من قصيدة النثر. وقد كانت لي مع حسين مردان علاقة وثيقة.
وفي براغ، فان هنالك ذنون أيوب، القصاص العريق، الذي لم انقطع عنه بعد رحيلي عن براغ. فقد ظلت المراسلات قائمة حتى الثمانينيات، وبعد وفاته نشرت عنه كتابا بعنوان '' أبو هريرة الموصلي'' فقد كان يحب القطط شأني انا، وكانت صديقته الجيكيه تدعوه '' ياهري'' في كتابي علقت على مذكراته العارية ذات الجرأة الخارقة التي تتحدى الأعراف السائدة في مجتمعاتنا، وقلت ان بعض ما فيها لم يكن ضرورياً نشره.
في باريس تعرفت في اليونسكو الى الشاعر المشهور ادونيس وكان يمثل الجامعة العربية، وكذلك الى الشاعر اللبناني صلاح ستيتيه والى السياسي والاديب التونسي محمود المسعدي، كاتب رواية '' السد'' وذهبت مع صلاح والمسعدي واخرين الى العراق في دعوة من اجل السلام بين العراق وايران. وكان معنا ممثلون من مختلف القارات.
ومنذ التسعينيات تعرفت للأستاذ الشاعر عبد القادر الجنابي، ومجلته الرائعة فراديس، وفي أحد اعدادها حوار شامل معي عن السياسة وأيضاً عن قطي الراحل' ريمي' مع صورته. ومع العدد نفسه قطعة شعرية للشاعر الراحل سركون بولص بعنوان (الى عزيز الحاج وريمي) عن القط. وقد تعرفت عليه بواسطة الجنابي، وكانت لنا عدة لقاءات.
وفي التسعينيات ايضاً تعرفت على الشاعر الاب يوسف سعيد، بالمراسلة، وكتب لي مرة، ان كتابه المفضل هو(رفائيل) للشاعر (لامرتين)، ترجمة احمد حسن الزيات. وقال ان هذا الكتاب لا يفارقه ابداً.
ان الجنابي وسركون ويوسف سعيد هم من الجيل الشعري الستيني، المجدد، الذي اغنى الشعر العربي بالكثير، وساهم في التعريف بقصيدة النثر، وتجاوز في تجديده جيل السياب ونازك الملائكة.
كذلك تعرفت على الكاتب السوري مصباح الغفزي، وقامت بيننا علاقات صداقة وزمالة. وقد رحل قبل الأوان وسبق ان تطرقت اليه في مقالات اخرى.
ادباء كثيرون مروا في حياتي، كأصدقاء او كمؤلفين لم ارهم، وقد كتبت في كتابي عن ذنون أيوب ان الابداع هو أروع ما يبقى بعد الانسان، شعراَ او رواية او موسيقى وبقية الفنون، فالفنون الجميلة تذكي الطباع وترقق المشاعر وتقرب المسافات ولذا فان الإسلاميين الناظرين الى ماضي بعيد، والحكام الشموليين، يظلون أعداء الفن والابداع. ولو نظرنا لما يجري للثقافة عموما، وللفن خاصة في العراق من بعد الحرب، فأننا سوف نصدم بمدى ما لاقته الثقافة من اعتداءات باسم الدين والمذهب، وذلك برغم الضجيج الدعائي والفارغ عن '' بغداد عاصمة الثقافة العربية'' وهذا المشروع الذي خصص له المالكي عام 2014 500 مليون دولار، لا نعرف كيف صرفت، سوى ما نعرفه عن الدعوات والحفلات والندوات الاستعراضية. لا ندري كم دار سينما اصلحت او رممت او كم دار مسرح بنيت، وكيف تكون بغداد عاصمة الثقافة والفنانة الرائعة المغنية عفيفة إسكندر تموت في الفقر والعزلة والإهمال......&

&