لم اجد في زيارة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا الى الامارات ما يمكن ان يوصف بالموقف المفاجئ. انما زيارة مرشحة لان تدرج في سياق ترجمة سياسية اقليمية متوقعة للتفاهم الاميركي الايراني غير المعلن بشأن المحافظة على قواعد الاشتباك في لبنان وسوريا والعراق واليمن. مع الاشارة ايضا الى ثبات اتفاق التفاهم السعودي الايراني وما له من انعكاسات ايضا على العلاقات الايرانية الخليجية بشكل عام.

بيد ان اللافت في الدعوة الاماراتية كان في الشكل والتوقيت. في التوقيت تزامنت زيارة صفا مع هدوء على جبهة الجنوب اللبناني مع اسرائيل، ووصول مفاوضات اعلان الهدنة في غزة الى مشارف خواتيمها.

وفي الشكل ان تصل الدعوة الاماراتية الى الضاحية الجنوبية من بيروت عبر صندوق البريد السوري امر يمكن البناء عليه سياسيا لجهة عودة دمشق الى الحاضنة العربية، اذا اخذنا بعين الاعتبار تسليم السفير الاماراتي لدي دمشق حسن الشحي اوراق اعتماده في كانون الثاني (يناير) الماضي، واعادة فتح السفارة السورية في السعودية في اكتوبر الماضي والتي سبقت مشاركة الرئيس الاسد في قمة الرياض نوفمبر العام الماضي.

في لبنان، ثمة من يضرب اخماس تحالفاته السياسية باسداس مواقفه الاستراتيجية !.ومن يظن ان سقف زيارة الرجل القوي في حزب الله الى الامارات هو البحث في اطلاق معتقلين لبنانيين انما يرفض قراءة مشروع المعادلة السياسية والامنية الجديدة في لبنان، وكذلك المتغيرات الكبيرة في الاقليم.

في جعبة دبلوماسي خليجي معلومات ان لبنان امام تطور كبير يتعلق بالحدود مع اسرائيل، وان جهات دولية نافذة حسمت ملف الحدود البرية وان التوقيع معلق لاسباب داخلية لبنانية معروفة.

هذه المعلومات تتقاطع مع حراك اوروبي عربي نشط لفرض واقع امني جديد في جنوب لبنان يرضي غرور الغطرسة الاسرائيلية بابعاد عناصر حزب الله لما بعد نهر الليطاني، ويعطي دورا محوريا للجيش اللبناني باحكام قبضته على المنطقة مدعوم بقوة متعددة الجنسيات، وهو الامر الذي يقنع الحزب بان من يتسلم الراية هو الجيش اللبناني، فيما يدرك الحزب ومعه اسرائيل ان مقاتلي المقاومة لم يستوردوا من الخارج وسيبقون في قراهم ومنازلهم بعيدا عن اية مظاهر مسلحة.

السؤال الان هو اي دور لحزب الله سيكون في الداخل اللبناني؟ تقيد حزب الله بقواعد الاشتباك في ميدانه الجنوبي رغم وحشية الاعتداءات الاسرائيلية وتصفيتها كوادر اساسيه يعني التزامه ببنود التفاهم الاميركي الايراني وابرزها الصبر الاستراتيجي وهو هنا يكون قد خطا الخطوة الاولى في رحلة العبور نحو "نيو حزب الله" وينتظر مكافأة سياسية توازي اضرار الصبر الاستراتيجي على بيئته المقاومة.. في الافق المنظور موقعة رئاسة الجمهورية اللبنانية، وحديث متصاعد عن عقد اجتماعي جديد يكون محور مؤتمر لبناني لبناني في عاصمة مؤثرة اقليميا ودوليا.

لقد استغلت طهران كل تفصيله في تداعيات "طوفان الاقصى"، مشت في جنازة "نفوذ" حركة حماس الى حيث تثبيت التحول الآمن لحزب الله في لبنان وتشريع نفوذه السياسي في المعادلة الجديدة.

اثبتت لقوى الامر الواقع في سوريا والعراق انها المحور والمحاور رغم تشعب التدخلات، وان مفتاح الاستقرار والحوار في كلا البلدين مقره طهران.

اوحت للعالم بان وحدة الساحات مفككة، وتبين انها ممسوكة باحكام مصالح الدول الكبرى وبدا ذلك جليا في اطلاق "مقاومة البحار" من الخندق الحوثي في اليمن، وامسكت بالتالي طهران مفاصل الملاحة البحرية في البحر الاحمر ونصبت نفسها المحور والمحاور في هذا الممر الاستراتيجي.

بعد الدخول الاميركي الى العراق عام 2003 واسقاط نظام حكم صدام حسين، وجدت الولايات المتحدة نفسها تغرق في مستنقع المواجهات الدامية، فكان ان اتكأت على اكتاف النفوذ الايراني لتامين انسحاب يحفظ ماء وجه القوة الاولى في العالم.

انسحبت واشنطن عسكريا من العراق، فبسطت ايران سيطرتها على بلاد الرافدين ومنه عززت نفوذها في سوريا ولبنان واليمن مستغلة ما وصف باحداث الربيع العربي.. ويا لهذا الربيع الذي اسقط رموزا عربية لكن "نيروز ايران" لم يلفح ايا من زوايا السلطة.

اليوم ايران والولايات المتحدة وثالثهما الغموض في المفاوضات التي لم تنقطع بينهما واخرها في سلطنة عمان يدركان ان المنطقة امام متغيرات كبرى.

تعي واشنطن ان مصداقيتها اصبحت على المحك عربيا واسلاميا بعد جرائم غزة.. ولابد من التغيير.

وتدرك طهران ايضا ان حجم الاختناق الداخلي ولابد هنا من نقلة نوعية لاحداث تغيير ذاتي.

فهل نحن امام "نيو ايران" وبالتالي تكون تجربة "نيو حزب الله" في لبنان تجربة ميدانية خاضعة للتقييم؟