لبنان كله استقبل أسراه العائدين ورفات الشهداء
تبادل أحياء وأموات وعرس تأخر من الصباح إلى الليل

إيلي الحاج من بيروت: فعلت الحكومة الإسرائيلية كل ما في وسعها لتبهيت صورة تبادل الأسرى والرفات مع quot;حزب اللهquot; فأخرت العملية من الصباح إلى ساعات المساء ليتعب جمهور الحزب ومتابعي هذا الحدث التاريخي على السواء، في حين حرص كل الأطراف السياسيين في لبنان على إظهار وحدتهم حيال إستعادة الأسرى الخمسة من إسرائيل ورفات المقاتلين اللبنانيين والفلسطينيين في يوم وطني، كاد توقف الحياة السياسية والعامة فيه أن يكون شاملاً لولا انعقاد الجلسة الأولى للحكومة الأولى في عهد الرئيس ميشال سليمان والتي حملت اسم حكومة quot;الوحدة الوطنيةquot;، فالتقطت لها الصورة التذكارية وبالأحرى التاريخية، إذ لم يسبق لحكومة في لبنان أن جمعت كل المتناقضات والفئات المتضادة أو المتنوعة على هذا النحو.

نصر الله يحضر شخصيا الاحتفال الشعبي بعودة المحررين

النائب د.مصطفى البرغوثي لـ quot;إيلافquot;:
حزب الله تفوق على إسرائيل في إدارة الصراع

وصول الأسرى المحررين الخمسة الى الأراضي اللبنانية

إنطلاق مسيرة حكومة العهد الأولى في لبنان

حزب الله كسر الروح المعنوية للجمهور الإسرائيلي

عرس التبادل: أفراح في جانب وأحزان في آخر

سمير القنطار: الأسطورة غير الواقع

ومر الخبر كما خبر تشكيل لجنة وضع البيان الوزاري على هامش الإهتمامات التي طغت عليها عملية التبادل. وقائع العملية التي أطلق عليها quot;حزب اللهquot; إسم quot;عملية الرضوانquot; نسبة إلى مسؤوله العسكري عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق في 12 شباط/ فبراير الماضي، بدأت عملياً مع ساعات الفجر الأولى حين نقلت خمس سيارات الأسرى اللبنانيين الخمسة كلاً على حدة من سجن quot;هداريمquot; في اتجاه نقطة الناقورة الحدودية. وفي المقابل، نقل quot;حزب اللهquot; رفات الجنديين الاسرائيليين إلى المنطقة نفسها وسلمهما إلى الصليب الأحمر الدولي بعدما حرص على إبقاء وضعهما مجهولاً حتى اللحظة الأخيرة، علماً أن اعتقاداً ساد في إسرائيل بأن أحدهما قد يكون حياً.

وخلافا لمشاهد لبنانية اعتادها العالم وتبرزالانقسام والتقاتل في العامين الماضيين جاءت عملية التبادل بمسعى الأمم المتحدة تطبيقاً للقرارالدولي رقم 1701لتشكل اقفالا نهائيا لملف الأسرى اللبنانيين في السجون الاسرائيلية، فلا تظل معلقة بين البلدين الا قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوباالمتنازع عليها والتي أعلن الرئيس سليمان من فرنسا إعطاء الأولوية للوسائل الدبلوماسية في استعادتها.

ويأمل اللبنانيون في أن يساهم المشهد الوطني الوحدوي في حمل الأفرقاء المتنازعين على تجاوز الانقسامات الطائفية والسياسية وفي ترسيخ حالة الاستقرار السياسي والأمني، وان يعطي دفعا لانطلاقة العهد الجديد وحكومته الأولى، وان يسهل عملية وضع البيان الوزاري، خصوصا ف يما يتعلق بسلاح quot;حزب اللهquot;، بعدما دار خلاف شديد حوله خلال العامين الماضيين أدى الى تصدع الوحدة الوطنية.
وأظهر مشهد إستقبال الأسرى أن اللبنانيين الذين يفرق بينهم صراع السياسة والسلطة، ما زالوا يلتقون في القضايا الوطنية الكبرى وفي مسألة الصراع المفتوح مع اسرائيل، كما في مسألة العلاقة الحتمية بسورية وإن اختلفوا على طبيعة هذه العلاقة ومسألة نفوذ النظام السوري في لبنان.

وفي اطار العودة المتتالية الى مرحلة ما قبل 2005، وفي مشهد يذكر بمشهد عام 2004عندما حصلت اول عملية تبادل للأسرى، وقف رئيس الجمهورية سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورةعلى أرض مطار بيروت في استقبال الأسرى ومعهم شخصيات تمثل القوى والأحزاب والفئات السياسية. على تنوعها، وفي المسافة الفاصلة من الناقورة الى بيروت الضاحية والجبل وقف عشرات الآلاف من اللبنانيين من كل الأطياف والمشارب في تظاهرة وطنية مختلطة هي الأولى من نوعها منذ ثلاث سنوات عندما كانت كل التظاهرات سياسية وفئوية، وهذا الاختلاط أوضح ما يكون في منطقة الجبل ، ولا سيما في بلدة سمير قنطار عبيه في قضاء عاليه، حيث حضر رئيس quot;اللقاء الديمقراطيquot; النائب وليد جنبلاط مع جمهوره موجها رسائل إضافية الى quot;حزب اللهquot; تعلن رغبته في إعادة العلاقات إلى صفائها بينهما.

إلا أن الحدث الأبرز كان خطاب الأمين العام لquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله في المناسبة أمام جمهوره في الضاحية الجنوبية ، وقد خرج فيه كعادته في مثل هذه الظروف من الاطار المحلي إلى مخاطبة quot;الأمةquot;، مكتفيا في الشق الداخلي بالتأكيد على الوحدة الوطنية وفتح صفحة جديدة مع كل الأفرقاء والحوار حول كل المواضيع، مع التشدد في إبراز أهمية سلاح quot;المقاومة الإسلاميةquot; والنتائج التي توصلت إليها، معتبرا ما أنجز في الساعات الماضية استكمالاً للإنتصار quot;الإلهيquot; في حرب تموز/ يوليو 2006. وذلك في حين يقر الاسرائيليون بأن تلك الحرب لم تحقق أهدافها المعلنة، وإن كانوا نجحوا في التوصل إلى القرار 1701 الذي يعتبرون أن quot;حزب الله quot; لا يلتزمه تماما، إذ يعيد تسليح نفسه وإن كانت الجبهة اللبنانية ndash; الإسرائيلية تشهد هدوءاً لا فتا منذ ذلك الحين.

ومع إقرار إسرائيل بقدرات quot;حزب اللهquot; العسكرية واستعادته ما خسر في الحرب الأخيرة، يعترفون أيضا بأن هذا الحزب محنك في التفاوض الذي استمر شهورا طويلة ، وهولم يسمح للاسرائيليين فيها الاب تحديد يوم التبادل الذي رفضوه في ١٢ تموز / يوليو ذكرى اندلاع الحرب قبل سنتين.

هكذا عرف الحزب أن يؤخر تسليم تقريره عن مصير الطيار الإسرائيلي رون أراد حتى الأيام الأخيرة ليفاجأ الاسرائيليون بأنه فارغ المضمون وانهم تعرضوا لخديعة ، كما عرف أن يترك مصير الأسيرين الاسرائيليين غامضا ولم يحدد ما إذا كان سيسلمهما ميتين أو على قيد الحياة حتى اللحظة الأخيرة.

أما إسرائيل فغارقة في خلاف على طبيعة مرحلة ما بعد التبادل، فرئيس حكومتها إيهود أولمرت يركز على أهمية تحقيق القرار 1701 الذي ثبت الهدوء على الحدود، في حين أن وزير دفاعه إيهود باراك يعتبر هذا الإتفاق ساقطاً لأن quot;حزب اللهquot; يواصل تعزيز تسلحه بمساعدة السوريين وأن القوة الدولية quot;اليونيفيلquot; أخفقت في منع تهريب السلاح الذي اكتسب مشروعية أكبر بعد quot;إتفاق الدوحةquot; بين الأفرقاء اللبنانيين حسب رأيه. وأما الإستخبارات لاإسرائيلية فتقول إن الحرب المقبلة مع quot;حزب اللهquot; مسالة وقت فقط، وما يحصل حالياً مجرد تهدئة في إطار عملية تهدئة أوسع تشمل المنطقة كلها ولا أحد يمكنه التكهن متى تنتهي أو إلى أين ستوصل.