ترجل سيد القمني عن حصانه وتركه وحيدا، حيث لا ماء ولا مرعى سوى مزابل الماضي العطنة.. ترجل بارادته منسحبا الى ذاته وعائلته، تاركا الميدان الذي طالما صال فيه وجال، واثخن في عقول المنحرفين والظلاميين والسوداويين من كل الملل والنحل.
لم يجبن الدكتور القمني وهو من حمل لواء التنوير بشجاعة مقارعا كل انواع التطرف والإظلام فاسقط خرافات الاسلام السياسي الذي تعكز على الدين لتحويل الشعوب الى قطيع يخدم حضرة الخليفة السماك أوالجزار، وخزعبلات اسرائيل التاريخية التي اختلقت تاريخا كاملا لتبتلع به اراضي الآخرين، وتخاريف الفاشية التي اذلت العباد تحت لواء القومية فخسرت الارض تلو الارض وانتهكت العرض تلو العرض. دافع القمني عن مصرية مصر العظيمة وعن عراقية العراق العريق من اختزال تاريخها الى الف عام فقط وعن حق كل مواطن في هذه الاوطان في ان يرفع رأسه في مجتمعات حرة كريمة تبنى بالحريات والحقوق وليس بسنابك الخيل ورؤوس الرماح في عصر الفضاء..
لن يلوم احد سيد القمني اذ تراجع الى معتزله العائلي أمام رسائل التهديد الحقيرة تلك ، فليس في مجتمعاتنا من يحمي المفكر الحر، فلا دول ولا نخب ولا أمن ولا قضاء ولا مجتمع.. كل بين مغيب (بكسر الياء) ومغيب (بفتح الياء)، فلم يحم احد المرحوم فرج فودة، ولا نجيب محفوظ حين اوشكنا على فقدانه، ولا نصر حامد ابوزيد حين كفروه وطردوه، ولا الصفوف الطويلة من مثقفي الجزائر ونخب العراق التي نحرت فداء لنعال الجلابيب، ولا سمير قصير الذي جعلوه اشلاء، ولا ضيف الغزال الذي دفنوه في رمال الصحراء بعد ان قطعوا انامله، ولا قاسم عبد الأمير عجام عندما ملأ الرصاص قلبه الناصع البياض، والكثيرون غيرهم ممن نذكر او لا نذكر، فنحن بين دول تداهن الارهاب وتنتجه وتستخدمه حين تشاء، وشعوب أمية لا مبالية، ومثقفين منافقين مسمومين بفتات موائد السلاطين والقادة التاريخيين ، فمن تراه يحمي سيد القمني من جماعات تقتل الاطفال، ومثقفين وشعوب تهلل للقتلة وتسحق البراءة يوميا باسم الله تحت مختلف اللافتات، وانظمة تحارب الارهاب نهارا وتعاشره في غرف النوم ليلا..
هجر سيد القمني كل مدن الخوف والصمت، والنفاق والكذب، وصلاة النهار وبغاء الليل.. مدن القتل صبرا أو كمدا، مدن العقل المسطح، مدن أضحت بلا لون اوطعم اورائحة اذ اجتاحها الجراد القادم من ظلمات السراديب.
ذهب القمني الى احضان عائلته واولاده ليحميها ويحميهم من حثالات تسحق الانسان كما تسحق الحشرة، لا تفرق بين كبير وصغير، وبين طفل ورجل، وأمراة وكهل، وعالم وجاهل، انما هو الموت الجماعي والذل الجماعي..
أهو جبننا الجماعي الذي جعل من هؤلاء اسودا ، أهو سكوتنا الطويل ونفاقنا وخداعنا وخوفنا ، أهو عجزنا عن ان نرفع السلاح لندافع عن انفسنا ونسائنا واطفالنا ضد تتار
العصر الجديد ، مكتفين بحملات جمع التواقيع التي لا تغني ولا تسمن من جوع؟ أم هو العصر الردئ الذي يجعل السفاحين ابطالا والمنحرفين مناضلين والمختلين قادة.. بل هو هذا وذاك معا.
نعم ، ترجل الدكتور العالم، الذي جاء في زمان غير زمانه ومكان غير مكانه، تاركا خلفه اشلاء التخلف والخرافة والخداع والافك والتاريخ المزور بعد ان مزقها تمزيقا، بسلاح الفكر الحصيف ومنطق العلم السهل الممتنع الذي تتهاوى امام سطوته كل قلاع الوهم، عبر مؤلفات هي نجوم في سماء فكر التنوير العربي، ولا بد من يوم آت تجد هذه المؤلفات فيه مكانها بين ايدي الجميع، فلا يمكن حجب نور الشمس بغربال، ولا تلبث عواصف الغبار ان تتلاشى بعد هطول المطر وعودة الروح الى الجذوع الخاوية. يوم ربما لن تتمتع بنوره اجيالنا الخائبة المقهورة ، أو الاجيال التالية كذلك، الا ان الأمل باق ما دام الانسان وما دام نور الشمس وضحكات الاطفال وزهور الجنائن.
الى اللقاء ايها الرجل المحترم الكبير.. الى حين يجد آخرون الطريق الى حصانك، الذي تركته وحيدا.

د. شاكر النابلسي: سيّد القمني: بئس المفكر الجبان أنت!

نبيل شرف الدين: القمني يتبرأ من أفكاره بعد تهديده

فالح الحُمراني: تضامنا مع سيّد القمني