إيلي الحاج من بيروت : أخلت لجنة التحقيق الدولية سبيل النائب اللبناني السابق ناصر قنديل بعد الاستماع الى افادته في ملف اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري صباح اليوم الاربعاء.

وكان النائبالسابق القريب من سورية، قنديل، قد سلمنفسه إلى لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري نحو الرابعة والربع بعد ظهراليوم بتوقيت بيروت. وقد وصل عند الثالثة والنصف إلى نقطة المصنع الحدودية بين لبنان وسوريا عبر الخط العسكري الذي كانت تستخدمه سابقاً الشخصيات الكبيرة والعسكرية ، وقال لصحافيين إن "العروبة تتعرض اليوم للمحاكمة ، وآمل في ألا يكون الأمر كذلك"، متحدثاً عن "روابط نضالية وفكرية وقومية" تربطه بسورية. وأبدى استغرابه لاعتباره مشبوهاً في القضية، قائلاً إنه قطع إجازته في دمشق فور تبلغه استدعاءه للتحقيق من ممثل للجنة الدولية، وأبدى أسفه لاغتيال الحريري ، معتبراً أنه خسارة ومتحدثاً عن محاولات لتوريط اللجنة من أجل حرف التحقيق عن المسار الصحيح. وأعرب عن الأمل في أن يكون لديه "ما يفيد التحقيق"، قبل أن تواكبه قوة أمنية لبنانية إلى مقر اللجنة في أحد فنادق منطقة مونتي فيردي الجبلية المطلة على بيروت ، حيث احتجز إلى جانب بقية المشبوهين في القضية.

وفي حين جدد نجل الحريري، النائب سعد، من مقر إقامته الموقت في باريس ثقته باللجنة الدولية ورئيسها القاضي الألماني ديتليف ميليس، أكد حليفه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط أن رؤوساً كبيرة في لبنان وخارجه قد أينعت، وان ميليس لقاطفها.

وتوقع الزعيم اللبناني البارز أن يكون بدأ العد العكسي لظهور الحقيقة في قضية اغتيال الرئيس الحريري، وقال:"إن رؤوساً كبيرة في لبنان وخارجه سوف تسقط، ولا أتوقع أن يبقى (رئيس الجمهورية إميل) لحود رئيسا للبنان". وتكهن بحصول "المزيد من الاعتقالات". علماً أن ولاية لحود الممددة بضغط سوري مباشر تنتهي في تشرين الثاني / نوفمبر 2007.

وجاء حديث جنبلاط الى "اذاعة الشرق" في باريس ، حيث يقيم لأيام تعقيبا على عمليات التوقيف التي جرت اليوم في بيروت وتناولت ثلاثة من القادة الامنيين السابقين ورابعا ما زال في منصبه، اضافة الى النائب السابق قنديل في اطار التحقيق في الجريمة.

وأوضح رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة ان قائد الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان والقادة السابقين لجهاز الأمن العام ومخابرات الجيش وقوى الامن الداخلي اللواء الركن جميل السيد والعميد ريمون عازار واللواء علي الحاج أوقفتهم لجنة التحقيق الدولي بصفة مشبوهين.

وجاء توقيف الضباط القريبين من لحود بناء على مذكرات صادرة عن القضاء اللبناني، الذي تعود له حصرا سلطة اصدار مذكرات التوقيف بالاستناد الى مذكرة تفاهم بين لجنة التحقيق الدولية والحكومة اللبنانية تقضي بأن تطلب اللجنة من القضاء اللبناني التحرك عندما ترتأي. وقال السنيورة في مؤتمر صحافي رفض فيه الاجابة عن اي سؤال: "تبلغت من ميليس الاجراءات التي اتخذتها اللجنة هذا الصباح نتيجة التحقيقات التي اجرتها".

وكان مصدر أمني لبناني قد افاد وكالة "فرانس برس" ان قائد الحرس الجمهوري، الوحيد من رؤساء الاجهزة الامنية الذين لم يستقيلوا من منصبهم بعد صدور قرار لجنة تقصي الحقائق الدولية في اغتيال الحريري، وصل تلقائيا الى مقر لجنة التحقيق الدولية. ولاحقا نقل الى المقر نفسه السيد والحاج وعازار الذين دهمت منازلهم في الساعات الاولى من فجر الثلاثاء، وفق مصادر امنية، عناصر من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي واعتقلتهم. كما دهمت منزل قنديل بدون ان تجده وأفادت عائلته بأنه في دمشق. وكانت قوى الامن الداخلي قد وضعت في حال استنفار منذ خمسة ايام وفق المصدر نفسه.

وترددت أخبار عن استدعاء وزير العدل ومدعي عام التمييز السابق عدنان عضوم ، لكنه ظهر على إحدى شاشات التلفزة ونفى الخبر. في هذا الوقت اجتمع ميليس بالرئيس السنيورة قبل اجتماعه بوزير العدل. ثم عقد السنيورة اجتماعا لقادة الاجهزة الامنية بحضور وزير العدل والنائب العام التمييزي ووزير الداخلية حسن السبع.

وتزامن توقيف كبارة القادة الامنيين السابقين مع الغاء الممثل الاعلى للسياسة الخارجية والامن المشترك في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا فجأة زيارته المقررة اليوم الثلاثاء الى بيروت.

وترددت معلومات صحافية عن الغاء المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة تيري رود لارسن المكلف متابعة تنفيذ قرار مجلس الامن الدولي رقم 1559 زيارته المقررة الى لبنان الاحد المقبل بدون ان تتضح الاسباب. يذكر ان ميليس اكد في تقريره الاجرائي الذي رفعه الى مجلس الامن الخميس ان سورية لم ترد بعد على طلبات التعاون التي قدمتها اللجنة، مما أدى إلى إبطاء التحقيق.

رجل الرئيس الأقرب

وكان العميد حمدان المشبوه الأول لدى لجنة التحقيقات الدولية في اغتيال الحريري وفق حديث لميليس إلى صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية قال فيه أن الرجل حاول إخفاء الأدلة في مسرح الجريمة . ويُعتبر حمدان من أقرب المقريبين إلى الرئيس لحود وصديقه الشخصي ولوحظ منذ مدة إنهما ما عادا يفترقان. وانتقد بعض السياسيين المؤيدين لتيار الحريري لحود لاصطحابه حمدان إلى المقر الصيفي للبطريرك الماروني الكاردينال نصرالله صفيرفي بلدة الديمان الشمالية، حيث أمضيا يومين. وقال صفير أن لا يد له في الأمر والمقر البطريركي مفتوح لكل الناس.

وواضح أن توقيف القادة الأمنيين هؤلاء ولا سيما السيد وحمدان وعازار سيشكل حرجاً كبيراً للرئيس لحود الذي يخوض بلا هوادة قتالاً سياسيا تراجعياً دفاعاً عن رجاله، ويؤشر تالياً إلى شبه استحالة إكمال ولايته المدد لها والتي تنتهي في تشرين التاني/ نوفمبر 2007 .

ولفت أمس تصريح لشقيقة الرئيس الحريري ، عضو مجلس النواب بهية الحريري، أكدت فيه أن لبنان سيتقدم من الأمم المتحدة بطلب تشكيل محكمة دولية خاصة لمحاكمة المتهمين باغتيال شقيقها ، وسيكون هذا الطلب بإجماع اللبنانيين كافة ، على غرار ما تشكلت لجنة التحقيق الدولية.

زعماء في فرنسا

ويعيش لبنان اليوم هواجس كبيرة جدا فيما تتحدث الصحف عن لائحة أسماء بسياسيين وإعلاميين مرشحين للإغتيال ، مما دفع عددا كبيرا منهم إلى النزوح من بيروت إلى باريس أبرزهم النائب سعد الحريري ، الذي انتقل إلى العاصمة الفرنسية من جنيف بعدما عاد ميليس منها إلى بيروت ، وكذلك رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي جنبلاط الذي وصل إلى فرنسا أمس مع وزير الإعلام غازي العريضي . وكان سبقهم الوزير مروان حمادة الذي سيخضع إلى جراحة ، من تداعيات محاولة اغتياله أواخر العام الماضي.

وفي باريس أيضاً نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والنائب جبران التويني الذي قال أنه تلقى تحذيراً من ميليس ، والإعلاميان علي حمادة وهاني حمود المسؤول عن إعلام "تيارالمستقبل" الذي يتزعمه الحريري، فضلا عن قائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع، برفقة زوجته النائبة ستريدا، ويبدو أنه قرر إرجاء عودته إلى بيروت التي كانت مقررة منتصف هذا الشهر في انتظار صدور تقرير ميليس النهائي (الإتهامي) في النصف الثاني من شهر أيلول/سبتمبر المقبل.

ويرجح أن يبحث السياسيون المتجمعون في العاصمة الفرنسية في سبل التعامل مع الرئيس لحود في المرحلة المقبلة، علماً أن لا آلية في الدستور تتيح إقالته. وإن فتح أي أزمة على هذا الصعيد تستلزم موافقة البطريرك صفير لختمها، نظراً إلى حق الطوائف اللبنانية المكرس في "الفيتو" على القرارات التي تتعلق بمواقع كل منها في الدولة . والأرجح أن البطريرك صفير يريد أن يضمن طريقة لخروج لحود من الحكم لا تسيء إلى موقع الرئاسة وأن يضمن أيضاً خليفة له يكون مقبولاً من طائفته ورئيسها الروحي . علماً أن التوافق الداخلي على مرشح لتولي الرئاسة يستلزم في هذه المرحلة توافق أميركا والمملكة العربية السعودية وفرنسا عليه.

وكان جنبلاط سأل قبل أيام : "من سيحمي لحود بعد أشهر؟". كما أن زعيم "التيار الوطني الحر" النائب ميشال عون الذي دافع مدى أشهر عن قادة الأجهزة الأمنية السابقين وعهد لحود عموماً رافضاً "رمي التهم جزافاً في حقهم" ، كان قد "تنبأ" لرئيس الجمهورية الحالي بأنه لن يكمل ولايته التي مددها له النظام السوري بضغط مباشر على النواب والسياسيين واللبنانيين.

وفي لبنان يلزم رئيس مجلس النواب نبيه بري مقره في عين التينة ولا يغادره إلا نادراً ووسط تدابير حماية مشددة. والوضع نفسه يعيشه في مقر إقامته النائب العماد عون في محلة الرابية. وحتى البطريرك صفير عزز الجيش اللبناني قوة الحماية حول الدير الذي يقيم فيه فتحوّل أقرب إلى ثكنة.

إقرأ أيضًا:

جنبلاط يرى اعتقالات أخرى ولحود راحلاً

ذهول في بيروت: إنهم يوقفون رجال لحود!

القبض على القادة الامنيين ساحته بيروت فضاؤه دمشق

العلمانية الرحبة والمذهبية الضيقة على سطح واحد

العلمانيون: الهجرة نحو الزمن العام

السنية السياسية: الاشتباه الدولي

حصون الطوائف: المارونية العائدة

الشيعة: السلاح دائماً له حدان وتاريخان