اهتم الغرب بدراسة منطقة الشرق الأوسط منذ رحلات المستشرقين الأولى، وتضاعف هذا الإهتمام مئات المرات بعد اكتشاف النفط، وتضاعف مرة أخرى بعد نشوء الحرب الباردة وقيام إسرائيل. وبعد أن برزت أمريكا كقوة أولى في العالم، قادت هذه الدراسات أيضاً، فأسست مراكز أبحاث ودراسات مختصة بالمنطقة، أو أقسام في مراكز أبحاث دولية، ونشأت أقسام خاصة في جامعات كبيرة وصغيرة، خرجت آلاف الباحثين والخبراء؛ تلحق باسمهم عادة صفة باحث في شؤون الشرق الأوسط، أو باحث متخصص بالدراسات شرق أوسطية، وقد نقّب هؤلاء المنطقة من عصور الحضارات الأولى وحتى الشعر الشعبي وفروق اللهجات بين القرى المتجاورة.

وإذا أضفنا النشاط المخابراتي، والتغطية الإعلامية المستمرة، والأقمار الصناعية التي ترصد المنطقة بشكل متواصل، نصل ليقين أن أمريكا وبمساعدة «خبراء الشرق الأوسط»، تعرف الأسباب البعيدة والقريبة ولديها معلومات مفصلة وصور عن سبب موت حصان بطيحان العامر عام 1976 في بادية الشام.

وقد أصدر هؤلاء، إضافة لعملاء المخابرات والدبلوماسيين المتقاعدين، آلاف الدراسات والكتب والأبحاث التفصيلية، التي كان أحد غاياتها الأساسية زيادة فهم المنطقة من شعوبهم وقادتهم، بهدف الحفاظ على الإستقرار في منطقة حيوية لمصالحهم. حتى أنهم ربما أصدروا أبحاثاً ودراسات عن تأثير تناول «الفتوش» على الإستقرار في الشرق الأوسط، أو انعكاس عزف الربابة على استمرار تدفق النفط.

وبحسب طريقة الإدارة الأمريكية الأكاديمية!؛ فإنها عادة قبل أن تنقل إبرة من مكانها في هذه المنطقة «المنكوبة» تجمع خبراءها المدنيين والعسكريين المختصين، وتعقد لهم جلسات عصف فكري، ليحددوا لها الطريق الرشيد في نقل الإبرة، بما يحفظ المصالح الأمريكية، ويقلل كلفة النقل لأدنى حد ممكن.

لا يحتاج المرء لدراسات أكاديمية لإثبات فشل أمريكا العميق وبإداراتها المتعاقبة، في فهم المنطقة، ولإثبات أن راعي الغنم في باديتنا، يفهم في شؤون المنطقة وشجونها أكثر من «خبراء الشرق الأوسط» المستمرين في وضع استراتيجيات الفشل. وقد جاء حفاظها على مصالحها نتيجة استخدامها المفرط للقوة، مباشرة أو عبر وكلائها، وليس نتيجة لوجود جيش خبراء الشرق الأوسط لديها. بل إن استخدام القوة يحدث لاستدراك الأخطاء الاستراتيجية التي أوقعوها فيها، والتي ينتج عنها أخطاء إستراتيجية جديدة.

ويمكن أن نستذكر فقط الطريقة المأساوية التي أداروا بها إسقاط صدام، ثم العراق والثمن الكبير الذي دفعوه نتيجة ذلك؛ لكن الثمن الأفدح بالطبع دفعه العراق والعراقيون وسيستمرون في دفعه إلى أمد غير منظور.

سياق الفهم الفاشل للمنطقة، يبدو واضحاً في الإستراتيجية «الغامضة»؛ التي تطبقها الإدارة الأمريكية في حربها ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، والتي وضعها بالتأكيد خبراؤها المختصون. وكتفصيلٍ جزئي لهذا الفهم، نشرت الخارجية الأمريكية صورة [بألف كلمة: كما كتبت] للطيارة الإماراتية مريم المصوري، كمشاركة في غارات قوات التحالف على مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية» والتنظيمات الجهادية الأخرى، في محاولة لكسب تعاطف الجمهور، بإظهار الفرق بين ممارسات قوى وقوات التحالف وممارسات الجهاديين المتطرفين الذين يلبسون النساء السواد، ويسودون عيشتهن، و«يبيعونهن كجواري». إلا أن النتيجة كانت حملة «مشينة» ضد مريم المنصوري، من جمهور شبكات التواصل، وشيوخ الإفتاء، المعارضين لهذا التدخل مستخدمين هذه الصورة وهذه المعلومة بالذات.

وفي محاولة لإيضاح مفهوم و «مفهومية» خبراء الشرق الأوسط، أذكر أني كنت أقرأ في تاريخ إحدى الأسر الخليجية الحاكمة، فوجدت أن أربعة من أبناء الملك [دعك من البنات] ولدوا في نفس العام، إثنان منهم ولدوا في نفس الشهر. فقلت لنفسي لو كنت من خبراء الشرق الأوسط لـ «اكتشفت» بموجب هذه المعلومة، أن المرأة العربية يمكن لها أن تنجب مرتين في الشهر! وقد يضيف باحث شرقي أوسطي حصيف، أن ذلك كان يحدث في بدايات القرن الماضي.

وقد رويت المعلومة وما سيكتشفه الخبراء منها، خلال مشاركة لي في ورشة عمل يحضرها عدد من خبراء الشرق الأوسط ومناطق النزاعات البارزين، فضحك جميع المشاركين العرب، ولم يضحك أيٌّ منهم!. وضع أصدقاء يومها الحق على الترجمة، بينما مازلت أعتقد أنهم لم يجدوا مبرراً للضحك من هذا الإكتشاف الذي وجدوه طبيعياً ومنطقياً.

ليس هناك مشكلة في أن يكتشف خبراء الشرق الأوسط ما يشاؤون، ولا في تسجيل وحماية هذه الإكتشافات بموجب قوانين حماية الملكية كي لا يسرقها أحد منهم، لولا أن نتائج اكتشافاتهم، تقع فوق رؤوس سكان هذه المنطقة المنكوبة. فدولهم تتدخل في منطقتنا المستباحة بناء على دراساتهم المعمقة وأرائهم السديدة.