اميل لحود (2 من 2)
افخاخ المستقبل


رجال سورية في لبنان:
غدًا: أفخاخ المستقبل

عدنان عضوم: القضاء في خدمة الطموح(1)

جميل السيد: CIA لبنانية تقبض على أحشاء الأنظمة السياسية(2)

اسعد حردان: العلماني القوي(3)

ناصر قنديل الذي قفز فوق كل الحواجز(4)

كريم بقرادوني .. الرجل الثالث (5)

غازي كنعان .. المايسترو (6)

إيلي الفرزلي.. الولاء غير المشوب بشائبة(7)

سليمان فرنجية: الجغرافية تتحكم في التاريخ(8)

عبد الرحيم مراد العروبي على طول الخط(9)

ميشال المر خط الدفاع الأول(10)

سامي الخطيب رجل المراحل الانتقالية(11)

إرسلان يطمح لدور أكبر(12)

عاصم قانصو السياسة في اوقات الدوام الرسمي(13)

اميل لحود انتخبه حافظ الاسد قبل انتخابه لبنانيًا(14)

عمر كرامي:
*السوري حاكمًا..المعارض محكومًا(1)

*السنية السياسية في ميزان لبنان(2)

بلال خبيز من بيروت: انطلق الرئيس اميل لحود في سياسته العامة من اعتبارات وجيهة تفيد ان الموارنة في لبنان والمسيحيين عموماً عانوا الأمرين جراء ارتباطهم الذي لا يلين بالغرب. والحق ان الغرب تخلى عنهم في لحظة حاسمة وسلم امرهم للقيادة السورية تعيث بهم تنكيلاً. وهو يرى ان خلاص المسيحيين في لبنان يتمثل وفي صورة قاطعة بتجذير انتمائهم لمحيطهم العربي. والنسخة الأخيرة لهذا المحيط المتعدي كانت من دون شك الإدارة السورية. لهذا لم يتورع الرئيس عن تسليم القيادة السورية قياده وتركها تبحر في السفينة اللبنانية من دون حسيب او رقيب. ذلك ان الطوائف الأخرى التي تشارك المسيحيين في لبنان عيشاً مشتركاً لم تعترض اصلاً على هذه الهيمنة. كان السؤال اللحودي يتلخص بالآتي: لا شك ان الحريرية متصلة اتصالاً وثيقاً بالقيادة السورية وخطتها في المنطقة، اما الشيعية السياسية بممثليها الأبرزين: حركة امل وحزب الله فعلاقاتها وثيقة جداً بالإدارة والخطة السوريين، ولا يشذ الدروز بشقيهم السياسيين ايضاً عن هذه القاعدة. والحال، هل تستطيع المسيحية السياسية وهل تقضي مصلحتها ان تقاوم هذه العواصف مجتمعة من دون ان يكون اهل العقد والحل في الطوائف الأخرى على وفاق معها؟ هذه الرؤية كانت تفترض ان على الموارنة ان يرفضوا اي اتفاق مع اسرائيل حتى لو قبل المسلمون بهذا الاتفاق، وحيث ان الطوائف خؤون ولا يؤمن جانبها، فإن الطائفة الوحيدة التي توصم بالعمالة والخيانة ولا تستطيع التنصل من احكام وقيود العلاقة مع اسرائيل في لبنان هي الطائفة المارونية. على هذا يجدر بأهل الطائفة ان يمعنوا في رفضهم اي اتصال او شبهة اتصال مع اسرائيل او التبعية للغرب حتى لو عمدت الطوائف الأخرى إلى اقامة هذه الصلة.
لهذه الأسباب البالغة التعقيد، بدا مشروع الرئيس لحود، والذي كان يعبر عنه كريم بقرادوني خير تعبير، محصوراً في إطار الطوائف المسيحية عموماً والطائفة المارونية خصوصاً. والحق انه لم يكن مشروعاً من غير وجاهة او مطعون في ما يمثله وقد يمثله، ولم يكن من دون دلالة عميقة ان يصرح المرشح الدائم لرئاسة الجمهورية ورئيس الرابطة المارونية اليوم ميشال اده، في منتصف التسعينات حين بدأت تظهر في لبنان دعوات متواترة لخروج الجيش السوري من لبنان، انه سينام امام الدبابات السورية اذا قررت الخروج من لبنان فلا تخرج إلا على جثته.
لكن الوجهة التي يمثلها الرئيس لحود في وسط المسيحية السياسية كانت مصابة بعطبين اساسيين:
الأول يتعلق بطبيعة المدى العربي الذي يطالب لحود بالانتساب إليه، والثاني يتعلق بطبيعة بنية الدولة التي يريد لحود تأسيسها في لبنان. حيث كانت مصابة بعطب دائم يتمثل في تسليم امر الحرب والسلم إلى مقاومة مذهبية لا دور للمسيحيين او للدولة فيها على نحو واضح وصريح.
لم تكن سوريا مدى عربياً يمكنه ان يشكل ضمانة لأي كان. وقد لاحظ محمد حسنين هيكل في احد مجالسه الخاصة ان الدعوة العروبية كانت تجمع ولا تفرق حين كانت مصر في واجهة الداعين، لكنها اصبحت تفرق ولا تجمع ما ان تسلمت سوريا دفة القيادة بعد خروج مصر إلى عقد اتفاق منفرد مع اسرائيل. هذه ملاحظة بالغة الدقة على المستوى التحقيقي الصحفي الصرف. لكنها لا تعفي المرء من البحث عميقاً في اسبابها وظروفها. فالتزعم السوري في الدعوة للتضامن العربي كان يفتقد لسياقاته الطبيعية. كانت سوريا ترفع لواء العروبة في زمن سياسة اللاحرب واللاسلم. اي في زمن الحروب العربية المستحيلة. لقد ذهب العرب إلى مؤتمر مدريد، وسوريا في مقدمهم، وهم يحملون معهم كل حروبهم المستحيلة مع اسرائيل، والتي كان اجتياح لبنان وبيروت في العام 1982 درة تاجها. لهذا كانت زعامة سوريا تقع في الزمن الخطأ. اي في الزمن الذي ارسته مصر بعد كمب ديفيد والذي حسم مرة واحدة وإلى الأبد في مسألة التضامن العربي في الحرب والسلم. وجعل الحلول القطرية والكيانية مع اسرائيل، اكانت حروباً او انتفاضات او اتفاقات سلام، هي المنفذ الوحيد لاستكمال الصراع. والحق، ومهما ادعت سوريا وايران وحزب الله من ادوار في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، إلا ان هذا الصراع بعد اتفاقية كمب ديفيد كان له مقوم فلسطيني وحيد ومحدد. لم يعد الفلسطينيون يأملون بدعم عربي عارم وتغيير في السياسات والانظمة العربية، واخذوا يبحثون عن حل قضيتهم منفردين ومن دون دعم على الإطلاق. وهذا يجعلنا نفهم اليوم، رغم كل الادعاءات السورية، كيف ان الانتفاضة الفلسطينية ولدت من رحم الانفراد الفلسطيني في الحل من خلال اتفاق اوسلو وليس من صلب التضامن العربي على اي حال.
ثمة سياق آخر مفقود في التزعم السوري للتيار العروبي ويتعلق اولاً واساساً بغياب الدعم الدولي الفاعل. لم يعد ثمة ما يحجز الأميركيين عن التدخل الحاسم والمخل بموازين القوى في المنطقة بعد انهيار جدار برلين. وتالياً لم يعد النظام السوري، اداء وحجة قادراً طويلاً على الصمود. كان يبدو كما لو انه نظام من الماضي، وهو يقود حرباً تراجعية اكثر مما يقود حرباً هجومية كالتي كان يمكن الحديث عنها في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
على هذه الأسس يمكننا اعتبار خيار الرئيس لحود خياراً دقيقاً في استخلاص عبر الماضي متهوراً في قراءة المستقبل، من جهتي المستقبل: المحلية والاقليمية. فهو يوالي نظاماً لا يستطيع الصمود ولا المواجهة، ويحجز طائفة عن التحكم بمستقبلها السياسي بقوة الأمن والجيش والدولة في حين انه يستبيح ولا يستطيع ان يحجز عن الطوائف الأخرى ما كان يقترحه على المسيحيين. هكذا كان مفارقاً وغريباً على اللبنانيين ان يستمعوا إلى خطب عصماء عن ضرورة عدم نشر الجيش في الجنوب اللبناني بعد الانسحاب الإسرائيلي لأن اي هجوم اسرائيلي قد يجعل افراد الجيش عرضة للموت او الخطف، وللمفارقة هذا قول للرئيس الراحل رفيق الحريري.
حين اتخذت الإدارة السورية قرارها بالتمديد للرئيس اميل لحود، انبرى معظم اللبنانيين للقول والتصريح ان هذا خطأ جسيم، ادى إلى استصدار القرار 1559. والحق ان اللبنانيين لا يتذكرون جيداً ان القرارات الدولية كانت تتجاهل وجود البلد طوال 30 عاماً من تاريخه. لكن الاستغراب لهذا القرار الذي اعتبر حماقة لا مثيل لها، كان ينطلق من اعتبار ان ثمة مارونيين في لبنان يوالون سوريا ولا تشوب ولاءهم شائبة، وقد يكون سليمان فرنجية ابرزهم، فلماذا اصرت الإدارة السورية على التمديد للحود دون غيره؟ لكن هذا الافتراض كان ناقصاً بشكل فادح. فالإدارة السورية وحين بدأت نذر العواصف الدولية تتجمع فوق دمشق وبيروت ادركت انها لا تستطيع الصمود او المواجهة بقوى طائفية تستطيع التقلب وتحسن توجيه اشرعتها. فما الذي يضمن ولاء اي طائفة او قوة طائفية لسوريا عند اشتداد الضغوط؟ في وقت كان اللبنانيون يتداولون، من دون ان يخالطهم الشك في ما يتداولونه، ان السيد وليد جنبلاط يقرأ اتجاه الرياح الدولية جيداً وانه حين ينقلب على سوريا فإنه يدرك ان ايامها اضحت معدودة.
كان اللبنانيون يقرأون في كتابين منفصلين. يقرون من ناحية ان الطوائف تستطيع توجيه اشرعتها بحسب الرياح، ويستغربون كيف ان الإدراة السورية لا تثق بالطوائف في زمن الأزمات الكبرى.
لم يكن التمديد للرئيس لحود خطأ عابراً بهذا المعنى. كانت الإدارة السورية تدرك ان ضمانتها لبعض الصمود تقتضي ان يبقى الرئيس لحود على رأس الدولة وممسكاً بأعنة الجيش والأجهزة الأمنية ليضمن لها وقتاً اضافياً قبل ان ينهار في المنازلة الدائرة بين سوريا والفرنسيين والأميركيين على حد سواء. لهذا بدا التمديد للحود حداً فاصلاً كشف الاتجاهات كافة وجعل كل سفينة تمخر في بحر يناسبها.
لكن ما لم يستطع القادة السوريون التنبه لأحكامه يتعلق بحصان طراودة الذي اعتمدوه في لبنان. اليوم يحذّر البطريرك الماروني من المطالبة بإقالة لحود، ثمة اسباب سيقت لهذا التحذير. التخوف من الفراغ الدستوري وضرورة عدم المس بمقام الرئاسة لأنه يمس بقدس اقداس الطائفة المارونية. والحق ان الفراغ الدستوري حاصل منذ ان اقيلت الحكومة الكرامية، اما مقام الرئاسة فمحفوظ ومصان. ذلك ان المعارضة التي اشعلت كل نيرانها بعد التمديد للحود، لم تجد في البرلمان اللبناني معركة انسب من التمثيل بجثة السنية السياسية بعد اغتيال الرئيس الحريري ومحاولة طحن عمر كرامي الذي يكاد يكون واحدا من ثلاثة على الأكثر يمثلون وزن الطائفة السنية في المشهد السياسي العام. لم تكن المعارضة اللبنانية تريد اسقاط لحود في ذلك اليوم، ثمة اعتبار لا يخفى على احد. من قال ان الرئيس لحود، امام تغير الموازين واختلالها إلى هذا الحد مستعد لأن يقضي نحبه سورياً؟ ومن قال ان المعارضة المدعومة دولياً لن تجد في الفترة المتبقية من رئاسته فرصة لا تعوض لتثبيت هيمنتها على البلد في وقت يبدو انه مضطر لشراء كل يوم من بقائه في سدة الرئاسة بثمن غال وغال جداً؟