تحرير المرأة: رحلة ممتعة من النقاب إلى ما وراء البكيني

كنا قد أبحرنا في المقال السابق في (مقالتين آسنتين) للسيد (صلاح الدين محسن) تسخران من النقاب والحجاب، ثم عرجنا على مقالتين للكاتب (غالب الشابندر)، تحاولان ـ بكثير من التخبط والابتعاد عن المنهجية ـ تقديم قراءة عرجاء، ترى ـ وبشكل ضبابي ـ عدم وجوب تغطية المرأة لعظام الصدر الأولى، والنحر، (وربما الرقبة)!!!!!

واليوم نحن بصدد كاتب (متميز) بشجاعته أكثر من حكمته، كاتب يريد شيئاً ما ولكنه لا يعرف تماماً كيف يصل إليه.
أدخلنا بمقالاته الأربع في دوامة أتعبتنا كثيراً. ولكن النهاية الممتعة التي وصلت إليها هذه المقالات (البكيني) تغفر له ـ عند أنصار تحرير المرأة لاسيما الذكور منهم ـ هذه المواربة وهذا التخبط في بوصلة الكاتب (الخجول) من الوصول إلى تلك المناطق المحفوفة بالخطر (والمتعة) من جسد المرأة.


شربل بعيني... أربع خطوات (مقالات) كافية للوصول إلى (البكيني):


ابتدأ (بعيني) مقالاته (التحريرية) بمقالة (عورة المرأة العربية وقضايانا المصيرية)، وبدا كاتبنا في هذه المقالة إنساناً محترماً يحترم العادات والتقاليد (الشرقية)، وقد أدان فيها التعري الكامل للفنانة السورية.

وقد تم انتقاده بشدة من أنصار (تحرير المرأة) من الثياب، على (هذا التزمت) والتنكر لكتاباته (التحريرية)، لا سيما أن لكاتبنا (المحرّر الكبير) ديواناً من الشعر بعنوان (مراهقة) دعا فيه الفتاة العربية (إلى تقصير فستانها أكثر فأكثر، حتى تتنعم الأعين بجمال جسدها الرائع)... إنه تحرير من الثياب كما أسلفنا.

ولهذا نرى كاتبنا في مقالته الثانية (لماذا أنا ضد عري المرأة العربية؟) يحاول توضيح موقفه (المتشدد)، فذهب إلى أنه ليس ضد إظهار المرأة (لبعض مفاتنها)، وإنما هو ضد ((أن تُظهر عورتها وترميها كالقمامة في سلة مهملات الإعلام الإعلامي)).

ثم مضى موضحاً: ((حرية المرأة العربية واجب قومي وإنساني، شرط أن لا تتجاوز الآداب العامة، ومن لا يدعم تلك الحرية لن يرى وجه الله تعالى، ولن يتنعم بصفاء البال. كما أن الابتذال في حريتها، وحرية الرجل أيضاً، غير مسموح به قانونياً وأخلاقياً، ومن يسمح به فلن يرى وجه الله، ولن يتنعم بصفاء البال، تماماً كالمناهض لحرية المرأة)).

كلام رائع لكاتبنا يحدثنا فيه عن (الآداب العامة) وعن (وجه الله تعالى) وعن (المسموح أخلاقياً)، وإذا حاولنا فهم المقصود من حدود الآداب العامة، وحكم الله (المتعالي) والمسموح أخلاقياً في موضوع لباس المرأة، فإننا لن نتفق أبدأ مع النتائج المبهرة التي توصل إليها.

ثم راح يبين أنه لن يسمح لزوجته أن تفعل فعلة الفنانة المتعرية، ((حتى ولو أوحى الله إليه بذلك، وهو لن يوحي بالطبع، لأن الحرية حشمة، وفضيلة، وأخلاق، وتربية، واحترام، وعبادة، وإلا انتفت قيمتها، وأضحت دعارة، وابتذالاً، وانفلاتاً، وجريمة)).

كلام رائع جداً عن حرية المرأة، ولكن كاتبنا (بعيني) لم يكن يقصده أو يعنيه أبداً، وإنما أنطقه الله به، كي يأتي مشاكس (مثلي)، ليقول للكاتب و(للذكور) الراغبين بحرية المرأة وتحريرها (من الثياب) :هذا هو معنى الحرية الحقيقية، ومن فمكم أدينكم.
ويعود سبب ثقتي المطلقة في أن الكاتب لم يكن يعني أبداً ما يقوله (عن حرية المرأة)، إلى المقالتين التاليتين اللتين سطرهما كاتبنا ـ وبإبداع و(إمتاع) شديدين ـ حول الموضوع نفسه.

وهكذا بعد هاتين المقالتين، يرى القارئ أن الكاتب قد أتعبنا كثيراً جداً في قراءة جمله التي تتناقض إلى حد مدهش و(غير مفهوم)، فالكاتب يميل إلى حرية المرأة التي تعني التمسك بالحشمة والفضيلة والأخلاق والتربية والاحترام والعبادة، مع دعوته إلى أن تظهر المرأة بعض مفاتنها، وأن تقصر فستانها أكثر فأكثر حتى تتنعم الأعين بجمال جسدها الرائع.

لكن رحمة الكاتب بعقول قرائه دعته للإسراع بتوضيح (فتواه) الغامضة، لا سيما بعد التساؤلات العديدة التي وردت من خصومه ومريديه.

فنراه في مقالته الثالثة (للمرأة عورة واحدة... وكفى)، يحدد بوضوح أن للمرأة ـ كالرجل ـ عورة واحدة وكفى، ويقصد بهذه العورة ـ كما فهمنا من مقالته ـ تلك السنتيمترات (المحدودة) من الجزء الأسفل من جسدها، ويبين الكاتب ـ بثقة الفقيه والعلامة ـ أن الجزء الأعلى من جسد المرأة (ويقصد تحديداً ثدييها) لا يدخل في العورة، وقد أتى ـ لتأكيد صحة فتواه هذه ـ بأدلة وحجج (مقنعة ومفحمة)، تتلخص فيما يلي:

1- أخبره كاهن أن سيدتنا مريم العذراء قد أظهرت ثديها للعلن، وهي ترضع طفلها سيدنا يسوع المسيح.
2- هناك معبد للسيدة العذراء يحمل اسم (سيدة البزاز)!!! واحتراماً من (فقيهنا) للأمانة (الفقهية) فقد ذكر أنه لم يقرأ قصة هذا المعبد، ولكنه سمعها وسجلها في ذاكرته، وقد طلب الكاتب من القراء أن يطلعوه عن معلوماتهم عن هذا المعبد؛ وذلك على سبيل التوسع في تحري الدقة الفقهية والمنهجية العلمية.
3- إن ملايين النساء في بلداننا العربية يرضعن أطفالهن في الشوارع والساحات، كما فعلت والدة الكاتب معه.
4ـ في كتابه (عبقرية محمد) يخبرنا العقّاد أن نبينا العربي مس ثدي مرضعته، وهو رجل، احتراماً وتقديراً لها.

ويختم أدلته وحججه بنص فتواه (المثيرة): ((ثدي المرأة ليس عورة، وإلا لما أظهرته السيدة العذراء، ولما مسه النبي محمد أمام الناس، ومن حقّها أن تظهره، إذا أرادت أن تظهره، شرط أن يتماشى مع القوانين المرعية في البلاد التي تعيش فيها)).

هذه الفتوى والحجج أراها أوهى من بيت العنكبوت، يمكن لمفتينا الجديد أن يحكيها لطفل ذي ثلاث سنوات قبل النوم، وليس في مقالة يقرؤها مفكرون ومثقفون وعلماء كبار، وقد تصدى لهذه الحجج بعض القراء، وعلى رأسهم (السيد خالد) في رده (المفحم) الثاني، ودحضها، ويمكن للقراء الأعزاء العودة إليه.

تحول مفتينا (الجليل) في مقالته الأخيرة (البسي البكيني وفوزي بالعرش) من إباحة ارتداء النساء للبكيني، إلى الأمر والحض على هذا الفعل (الحسن)، بل نرى الكاتب يتضرع ويبتهل إلى الشابة العراقية (سارة مندلي) كي ترتدي (البكيني): ((بربك لا تترددي، البسي البكيني)).
وتحول هذا التضرع إلى إلحاح شديد، فبالإضافة إلى عنوان المقالة (البسي البكيني...) يتكرر هذا الأمر بارتداء البكيني ثلاث مرات في المقالة، ويذكرني هذا الإلحاح الشديد بمراهق يراود مراهقة عن نفسها كي ترتدي له البكيني... لا سيما أن شاعرنا (بعيني) له ديوان يحمل اسم مراهقة.

وأما الأسباب المقنعة التي حددها كاتبنا لارتداء البكيني فتتلخص في ما يلي:
1- كي لا يتهمها جاهل بالتزمت، وبأنها تسير (كفتاة إنكليزية) عكس ما يسير مجتمعها الجديد، وأنها غير مؤهلة لتمثيل الشعب الإنكليزي...
2- لقد دخلت مسابقة الجمال عن طيب خاطر، فلتلبس البكيني عن طيب خاطر، فمن يعش في روما عليه أن يلبس كالرومان، ومن يتنافس على عرش الجمال عليه أن يلبس كباقي الملكات.

3- لكي يتزايد حظها بالفوز، وتبدأ بدعم قضايا وطنها، وبلسمة جراح من ذاق ويلات الحرب والاستبداد والبطش.
4- أما السبب الأهم لارتدائها البكيني، فتلخصه الجملة البليغة التي ختم بها باحثنا مقالته: ففوزي كرمى (لأعين) شعبك، و(أعيننا) جميعاً.
ويأبى الذي في القلب إلا تبيناً... (كرمى للأعين) التي ستنظر ـ ببراءة الأطفال ـ إلى جسد عار من اللباس إلا من بضعة سنتميترات تكاد لا تغطي شيئاً.
كان يمكن (لمفتينا الجليل) أن يذكّر (سارة مندلي) بفتواه العظيمة في مقالة سابقة له، والتي تبيح للمرأة كشف كل شيء ما عدا مكان العفة.
أية مبررات يمكنها تسويغ أن تعري فتاة مسلمة (من بلد النخوة والأخلاق والقيم: العراق الشامخ)، كل هذه الأماكن الواسعة من جسدها الطاهر الذي حرمه الله على أعيننا؟؟؟!!!
أي تهافت هذا؟؟؟ أي تجاوز هذا لكل الخطوط الحمراء؟؟؟
أهذا مبلغكم من تحرير المرأة سادتي الكرام... نعم إنه تحرير للمرأة ولكن.... من الثياب فقط.
وهكذا يتنقل (علماؤنا) وشعراؤنا (الأفاضل) في جسد المرأة، منطقة منطقة وزاوية زاوية، فقد أباح الفقيه الجديد (شربل بعيني) للمرأة كشف كل شيء (ارتداء البكيني)، ولم يبق من المحظور إلا مكان العفة، وطبعاً سيتكفل بهذا الموضوع الحساس الخطير كاتب آخر، له سمعته (الطيبة) في خوض تلك الأمور الحرجة والمحرجة والمثيرة للجدل، وهو السيد (كامل النجار)، والذي سيكون موضوع المحطة الثالثة والأخيرة من الرحلة الممتعة (لتحرير المرأة الكامل) من الثياب.

ولله الأمر من قبل ومن بعد

علاء الدين الحلبي
مسلم من بلاد الله الواسعة

تحرير المرأة1

[email protected]