كتب السّيّد محمّد بن عبد اللّطيف آل الشّيخ مقالا في "إيلاف" بعنوان "البيان الفضيحة"، ويقصد بذلك بيان اللّيبراليّين العرب ، الذي طالبوا فيه المجتمع الدّوليّ بتجريم فتاوى فقهاء الإرهاب، وإنشاء محكمة يمثلون أمامها لمحاسبتهم، وتتبّعهم بإجراء دوليّ.
وعلى الرّغم من التّحفّظات التي أبديناها على هذا البيان، من أجل تعميق المفاهيم، وتدارك النّواقص التي اعترته، فإنّنا لا يمكن إلاّ أن نتصدّى لمقال آل الشّيخ، لما فيه من تناقض وما اعتراه من قفز على الحقائق واستغلال للجرح النّرجسيّ العربيّ لكيل التّهم ولتسفيه البيان.
يقول الكاتب إنّ القراءة المنطقيّة للواقع بتجرّد وموضوعيّة، تثبت أنّ بيان اللّيبراليّين العرب ينظر إلى الإرهاب من زاوية واحدة، هي زاوية المسلمين، لذلك فإنّ نظرته مبتورة ومبتسرة، وإنّ أصحابها "مدلّسون ومزوّرون وأصحاب أهواء". لماذا؟ يقول الكاتب : لأنّ البيان تجاهل فقهاء الإرهاب من الإسرائيليّين، وأنّ العدل يقتضي مساواة من يتدرّع بالأساطير التّوراتيّة "كمن يتدرّع بالأساطير الأخرى"، وهذه الكلمة الأخيرة من عندي، ولكن يفترضها منطق النّصّ. ويتساءل الكاتب : هل يتجاهل البيان هؤلاء لأنّهم ينتمون لشعب اللّه المختار ولأنّنا نحن أبناؤه الأراذل؟
وفي الرّدّ على آل الشّيخ، يجب أوّلا أن نقول إنّ قراءته للبيان والواقع تعوزها الواقعيّة والموضوعيّة والتّجرّد اللّذين يدّعيهما لنفسه، لأنّ مقارنة غطرسة إسرائيل وتنكيلها بأبناء الشّعب الفلسطينيّ بفتاوى الإرهاب هو قياس فاسد أصلا. فهو قياس مع الفارق، لأنّ دولة إسرائيل هي دولة تنتمي إلى منظّمات دوليّة ولها شخصيّتها الاعتباريّة، وهي محكومة بمعاهدات وقرارات دوليّة، بغضّ النّظر عن احترامها أو خرقها لها. أمّا فقهاء الإرهاب، فإنّهم أشخاص غير مضبوطين في سلوكهم بغير قوانين داخليّة لا تنصّ على تجريم أفعالهم، وإن نصّت عليها فإنّها تجد لدى القائمين على هذه الدّول التّسامح، وإغماض العيون، وذلك لفقدانها الشّرعيّة السّياسيّة التي كثيرا ما تعوّضها بشرعيّة دينيّة، فتدخل قضيّة الفتوى الإرهابيّة بكلّ فظائعها في سوق تبادل الشّرعيّات العربيّة.
لذلك لا يجد العربيّ بدّا من أن يجأر بالشّكوى، ويستغيث بكلّ من يستطيع أن يمدّ له يد العون، حتّى وإن وصل النّداء إلى عتبات الأمم المتّحدة.
أمّا القياس الصّحيح، فهو من نوع آخر غير ما ذكر الكاتب، وهو : لماذا لم يكن البيان أكثر شموليّة، بحيث يدين كافّة أولئك الذين يحرّضون على القتل وزرع الكراهية والبغضاء بسبب اختلاف الرّأي أو العنصر أو الأفكار؟ فهذا رأي نؤيّده ونعتبره عين ما ينقص هذا البيان. فقد كان حريّا بأصحاب البيان أن يطالبوا بتجريم كافّة "الفتاوى" الإرهابيّة التي تتّخذ مرجعيّتها من إيديولوجية سياسيّة أو دينيّة، أي سواء كانت تقوم على فكرة النّقاء العقديّ أو العنصريّ، ومن ثمّ تكون جرما حسب الشّرعيّة الدّوليّة، ويكون ملاحقا عالميّا أيّ شخص يحاول أن يدفع النّاس إلى الإجرام العقديّ مالكا التّأثير على الفاعلين المادّيّين لهذا الجرم، سواء كان ذلك بتجفيف منابع النّدم الدّينيّ، كما هو الحال في فتاوى فقهاء الإرهاب الإسلاميّين، أو منابع النّدم الأخلاقيّ المدنيّ كما هو الحال في تحريض الزّعماء الفاشيّين في الفكر السّياسيّ الشّوفينيّ لأتباعهم المتعصّبين.
أمّا ما يخلص إليه الكاتب بالرّغم من محاولته أن ينفي كونه من مؤيّدي الإرهاب، فهو تأييد الإرهاب بشكل ملتو، إذ يقول إنّ هذا البيان هو تنكّر لأبناء أمّتنا، الذين يقصد بهم فقهاء الإرهاب.
ففجأة يخرج الكاتب من عباءته التي نسجها في مستهلّ مقاله، ويدخل في أعراف القبيلة التي تناصر الأخ ظالما أو مظلوما، وترى في الوقوف معه تزكية لفضيلة النّعرة التي بدونها يفقد القطيع سلاسته، فتذهب ريح القبيلة وعصبيّتها، وهذه كارثة أقوى من أن تحتمل، حتّى لو أدّى ذلك إلى مناصرة فقهاء الإرهاب ومؤدلجيه، ما داموا من عشيرتنا ويقيمون في نجوعنا.
ويعيب آل الشّيخ في آخر مقاله على اللّيبراليّين الذين يدّعون الإيمان بحرّيّة الرّأي والاحتكام إلى الحوار عند الاختلاف، أنّهم قد خانوا مبادئهم بكتابة هذا البيان ضدّ فقهاء الإرهاب والمحرّضين عليه، فأين هم ممّا يدّعون؟
وهما نردّ على الكاتب بأنّ الليبراليّين والعلمانيّين والدّيمقراطيّين لم يطالبوا المجتمع الدّوليّ بقتل هؤلاء ولا بسحلهم أو نفيهم أو تطليق زوجاتهم أوتشريد أبنائهم، وإنّما طالبوا فقط بضبطهم بضوابط إنسانيّة، ومعاقبتهم على الجرائم التي يقارفون، وهذا لا يدخل في باب الاعتداء، بل في باب الدّفاع الشّرعيّ عن النّفس.
أمّا لغة الحوار والتّسامح فهي السّلاح الوحيد الذي في حوزة هؤلاء الذين يؤمنون بالدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان، وإنّهم قابعون منذ عقود في انتظار هؤلاء الفقهاء للرّدّ على الحجّة بالحجّة وعلى الفكرة بالفكرة، ولكنّ ذلك لا يتأتّى إلاّ عندما يلقي هؤلاء الفقهاء بأسلحة الحقد والكراهية، والدّعوة إلى عدم التّسامح واضطهاد المخالف.

مقالات ذات صلة ببيان الليبراليين العرب:

نص البيان الذي وجهه اليبراليون العرب إلى الأمم المتحدة

*

د. احسان الطرابلسي
ردٌ على خالد شوكات
الغنوشية المتستّرة بثياب الليبرالية تفضحُ نفسها!

*

محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

البيان الفضيحة!

آل الشيخ يرد على منتقديه: اعترفوا بالخطأ

بل كله عيب أيها السيد المصري!

*

إبراهيم المصري
ليس عيباً.. وإنما ضرورة

حمل بطيختين بيدٍ واحدة

*

د. رجاء بن سلامة
لماذا وقّعت البيان المجرّم لفتاوى الإرهاب

*

د. خالد شوكات
القرضاوي وبن لادن لا يوضعان في سلة واحدة

*

د. شاكر النابلسي

لا أب ولا أبوات لـ البيان الأممي ضد الارهاب!

لماذا كان البيان الأممي ضد الارهاب ولماذا جاء الآن؟

*

علي ابراهيم محمد
ما حاجتنا لبيان متوازن

*

نصر المجالي
بيان فيه تحريض وتنوير

*

د. إحسان الطرابلسي
بيان الليبراليين الجُدد وامتحان الصدقية

*

إنشقاق في معسكر الليبراليين العرب