إن بيان "اللبراليين العرب" عن فقهاء الإرهاب قد شخص بدقة ووعي وشجاعة، مصدرا رئيسا ومباشرا للإرهاب الإسلامي العربي، الذي هو سيد الإرهاب منذ أكثر من عقد من السنين، بعد أن انحسرت وتراجعت أشكال الإرهاب الأخرى في العالم. الإرهاب العربي الإسلامي قد نفذ في السنوات الماضية ولحد اليوم مئات من الجرائم الفردية والجماعية بضحايا تقدر بعشرات الآلاف. وكعراقي، أصاب بكل الغضب لأن هذا الإرهاب، المتمركز اليوم في الفلوجة والرمادي ومحيطهما، ورمزه قاعدة الزرقاوي وبن لادن، قد أشعلها حربا دموية شعواء على الشعب العراقي منذ سقوط صدام. وهذا الإرهاب قد تواطأ علنا مع أعوان صدام المسلحين بالمال والسلاح والخبرة العسكرية الدموية. إن هذا الإرهاب "المشترك" والمدعوم من إيران وسوريا، ومن فضائيات الموت، يتسلح للتضليل بفتاوى وبيانات ما يدعى بهئية علماء السنة ومجلس الشورى، وبفتاوى القرضاوي وبعض علماء الأزهر وفقهاء حزب الله اللبناني، الذين أصدروا جميعا فتاوى" الجهاد" مع صدام قبل سقوطه وبعده. وترجمة هذا الجهاد هي الموت الجماعي للعراقيين، وقطع الرؤوس والخطف المتكرر، وتدمير أنابيب النفط، وقتل الجنود والشرطة العراقيين وذبحهم بالجملة.
إن أولئك الفقهاء العرب يتحملون مسؤولية مباشرة في الجرائم وهم شركاء مقترفيها، ويجب أن تطالهم يد العدالة الدولية. ولذلك فإن من واجب جميع المؤمنين في الدول العربية بالقيم الحضارية ومصالح شعوبهم الكفاح الفكري والسياسي ضد هذا السرطان الداهم الذي راح يسفك الدماء ويسئ لسمعة العرب والمسلمين في العالم وفي كل القارات، وليس في الغرب وحده. إن على العرب تنظيف بيوتهم وما حولها قبل المطالبة من الآخرين. وتقول الحكمة القديمة إن من يتصدى لنصح الآخرين فعليه نصح نفسه أولا. ولكن الثقافة والسياسة والفقه في العالم العربي عصية على النقد الذاتي والمراجعة ومشبعة بغرور الماضي للتستر على بشاعات الحاضر!
إن المثقفين وعلماء الدين العرب ومعظم الساسة العرب قد حاولوا خلط الأوراق دفاعا عن صدام ونكاية بأمريكا. وكان من أبرز مغالطاتهم المتعمدة خلط القضيتين العراقية والفلسطينية. وعندما كان المجتمع الدولي يدين برامج صدام لأسلحة الدمار الشامل، وكان ينتجها فعلا ويستعمل بعضها ضد العراقيين، كان هؤلاء المحامون المغالطون يصرخون:" لماذا صدام وحده؟ لماذا لا يدينون ويحاسبون إسرائيل؟" ومنطق هؤلاء أن اقتراف جريمة تبرر أعمال مجرم آخر، وما دام المجرم الأول بمنجاة عن الحساب، فليس من العدل محاسبة المجرم الآخر، مادام هذا المجرم منهم، وهو هنا صدام.
كان هذا المنطق المفلوج والمتحيز يتناسى لماذا صدرت القرارات المتتالية من مجلس الأمن حول أسلحة صدام، أي غزو الكويت، وتهديد المنطقة. والنظام العراقي الساقط كان يخضع لإرادة شخص متهور ولا يمكن التنبؤ بخطواته اللاحقة مادام همه الوحيد هو البقاء في السلطة. ولكن دولا أخرى تمتلك السلاح النووي وغيره معرضة للضغوط من جيرانها ومجلس الأمن، مثل كوريا الشمالية مثلا، التي لم تجرؤ على استعمال هذه الأسلحة في نزاعاتها الخارجية. وإسرائيل نفسها ليست مطلقة اليدين فهي تخضع لضغوط أمريكا وأحيانا للرأي العام الإسرائيلي نفسه حيث هناك صحافة ومنظمات وبرلمان وقوى سلام، وهي لم تقدم على استخدام أسلحتها في حروبها المتكررة مع العرب. وفي حرب الكويت منعها الضغط الأمريكي من الرد على الصواريخ الصدامية.
لقد استعمل الخلط بين القضيتين العراقية والفلسطينية لتبرير الوقوف مع الإرهابيين الدمويين في العراق، الصداميين منهم والزرقاويين وعملاء إيران وسوريا. ولا يزال الفلسطينيون أنفسهم ومع الأسف يعادون العراق الجديد ويرفعون في مظاهراتهم صور صدام ويصرخون باسمه تمجيدا!
إن جرائم شارون ضد الفلسطينيين، [ وهي جرائم يتحملون هم أيضا شطرا من مسئوليتها كما بين الأستاذ إبراهيم المصري]، لا تبرر الجرائم الوحشية اليومية للإرهابيين في العراق والمدعومة من فقهاء الدين الذين يصح تسميتهم بفقهاء الموت والكراهية وأعداء الإنسانية والحضارة.
إن الإرهاب العربي الإسلامي هو الخطر الأول على البشرية، وإن فقهاء الإرهاب الناعقين بفتاواهم تباعا، وكل يوم، هم أيضا قوة إرهابية يجب أن تدفع الحساب للقضاء.
إن بيان "اللبراليين العرب"، جاء في محله وله كل مبرر، وإن كنت أحبذ صدوره باسم "المثقفين اللبراليين من البلدان العربية" ليشمل غير العرب أيضا من مثقفي القوميات الأخرى في العراق و الدول العربية الأخرى. وتعبير "المثقف للبرالي"، كما أجتهد، يعني في ما يعنيه المثقف غير المؤدلج، أي المتحرر من كل إيديولوجية سياسية. لأن الإيديولوجيات تحول عادة بين الرؤية الموضوعية للأمور والاستماع للآخر، وهي على يقين أعمى من أنها تمتلك الحقيقة المطلقة. ومن الملاحظ أن الغالبية العظمى من المثقفين اليساريين والعلمانيين في البلدان العربية، هم مع الإرهاب الجاري في العراق. أوَ لم يصدر مؤتمر المثقفين المصريين بيانا يدعم فيه عمليات الخطف في العراق؟ كم عدد المثقفين العرب ومن كل التيارات الفكرية والسياسية الذين قد أدانوا المقابر الجماعية؟! أما اليسار وأقصى اليسار وأقصى اليمين في الغرب، فهم أيضا مع ما يعتبرونه " مقاومة ضد الاحتلال" وذلك لمجرد النكاية ببوش وأمريكا، علما بأن معظم هؤلاء علمانيون وديمقراطيون في بلدانهم. أما الإسلاميون العرب " المعتدلون" حقا وصدقا فهم أقلية مع الأسف، في حين أن معظم من يوصفون بالاعتدال لا يدينون الإرهاب إلا أحيانا قليلة، وفي حالات جرائم تكون في منتهى القذارة والشراسة كنبش الجثث. وهذه الإدانة تأتي بالهمس وبخجل، وبتحفظ تبريري، بحجة تفسير الجريمة ولكن في الحقيقة لتبريرها.
وأخيرا، لعل من المفيد النظر في الاقتراح الداعي لأن يدرج البيان أيضا، وبجنب فقهاء الإرهاب، وسائل الإعلام العربية الملوثة بعقلية الكراهية والتحريض على العنف، والتي تلعب دورا كبيرا جدا في تشجيع الإرهاب، كما تفعل الجزيرة مثلا. والعراقيون يعانون يوميا بالدم والخراب من الدور الرهيب لهذه المنابر الناطقة بأسماء بن لادن وصدام ومَلَك الموت!

مقالات ذات صلة ببيان الليبراليين العرب:

نص البيان الذي وجهه اليبراليون العرب إلى الأمم المتحدة

*

د. احسان الطرابلسي
ردٌ على خالد شوكات
الغنوشية المتستّرة بثياب الليبرالية تفضحُ نفسها!

*

محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

البيان الفضيحة!

آل الشيخ يرد على منتقديه: اعترفوا بالخطأ

بل كله عيب أيها السيد المصري!

*

إبراهيم المصري
ليس عيباً.. وإنما ضرورة

*

د. رجاء بن سلامة
لماذا وقّعت البيان المجرّم لفتاوى الإرهاب

*

د. خالد شوكات
القرضاوي وبن لادن لا يوضعان في سلة واحدة

*


محمّد عبد المطّلب الهوني
فضيحة آل الشّيخ مردودة عليه

*

د. شاكر النابلسي

لا أب ولا أبوات لـ البيان الأممي ضد الارهاب!

لماذا كان البيان الأممي ضد الارهاب ولماذا جاء الآن؟

*


علي ابراهيم محمد
ما حاجتنا لبيان متوازن

*

د. إحسان الطرابلسي
بيان الليبراليين الجُدد وامتحان الصدقية

*

نصر المجالي
بيان فيه تحريض وتنوير

*

إنشقاق في معسكر الليبراليين العرب