قبل يومين فاجأنا المفكر المصري سيد محمود القمني بتبرئه عن جميع ما كتب وعزمه على ألا يكتب بعد هذا أبداً رضوخاً لطلب جماعة الجهاد الأصولية المصرية التي توعدته بالقتل إن هو لم ينفذ مطالبها المذكورة لأن كتاباته في مجلة روز اليوسف تمثل كفراً في نظر الجماعة. وهذا التهديد ما هو إلا إرهاب بكل معاني الكلمة، وإن حاول الإسلامويون تعريفه بغير ذلك. وفي كل مرة يكتب شخص مقالاً يؤكد فيه أن الإسلام انتشر بالقوة وبحد السيف، ينبري الإسلامويون للدفاع عن الإسلام ودفع تهمة الإرهاب عنه. فعندما قتلت جماعة المتشدد أبي مصعب الزرقاوي الصحفي الأمريكي نيكولاس بيرج في مايو 2004، استنكر علماء أزهريون هذا الإعدام وأكد العلماء أن هذا الحادث البشع لا يمثل أخلاق الإسلام الذي حرم قتل النفس البشرية إلا بالحق. وقال الدكتور عبد الصبور شاهين الأستاذ في كلية دار العلوم والداعية الإسلامي المعروف: "إن مبادئ حقوق الإنسان لم تتقرر إلا في وصايا محمد صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالا يقتلوا طفلا ولا راهبا في صومعته ولا بريئا ولا امرأة وان يستوصوا بكل الأسرى خيرا فمن أين يمكن إلصاق تهمة الهمجية والبربرية والوحشية." ( الشرق الأوسط 15 مايو 2004).
وعندما اجتمع شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي مع البابا شنودة في منتدى الحوار بين الأديان في مارس 2005،
أكد الشيخ "أن الأديان السماوية جميعاً اتفقت على الإيمان بالله الواحد وعلى مكارم الأخلاق وأن المقاصد الأساسية التي أوجد الله الإنسان من أجلها هي الحوار." ثم أضاف سيادته: "إننا هنا ننبذ التفرق والتعصب والعنصرية وسوء الظن، فهذه الرذائل تضعف الأمم القوية، والتعصب لا يلجأ إليه إلا من انطمست بصيرته ومن لا يفهم في الدين ولا الدنيا." (الشرق الأوسط 16 مارس 2005).
وعندما اجتمع شيخ الأزهر مع وفد الكونجرس الأمريكي في نفس الشهر من هذا العام أكد شيخ الأزهر "إدانته لأي أعمال عدوانية ترتكب تحت ستار الإسلام مطالبا المجتمع بوضع مفهوم محدد وواضح للإرهاب والتفريق بينه وبين الجهاد في الإسلام، لأنه من الظلم البين أن ينسب الإرهاب إلى الأديان السماوية، خاصة الدين الإسلامي، الذي يعتبر أن الاعتداء على نفس واحدة بالقتل هو اعتداء على البشرية جمعاء".
وعندما اجتمع شيخ الأزهر مع السناتور الأمريكي جون كيري في يناير 2005 ، ورداً على تساؤلات الوفد الأميركي في ما يتعلق بوجود متطرفين إسلاميين يعملون على عزل العالم الإسلامي عن الغرب ، أوضح شيخ الأزهر أن روح الإسلام تقوم على أنه دين سلام لا يعترف بالتفرقة ولا بالعنصرية وينبذ التطرف ، مؤكداً أن وجود سفهاء وجهلاء ينشرون المفاهيم الخاطئة عن الإسلام أمر يتطلب مواجهة لتحقيق التعاون والتعارف بين عقلاء العالم عن طريق الحوار، مطالباً أميركا والدول الغربية بأن تستقي معلوماتها عن الإسلام من مصادره الصحيحة." ( الشرق الأوسط 13 يناير 2005).
ونستخلص من هذه التصريحات ما يلي:
1-قتل الصحفي الأمريكي لا يمثل أخلاقيات الإسلام الذي حرم قتل النفس البشرية إلا بالحق ( وسوف نناقش هذا الحق لاحقاً)
2-الإسلام يمنع قتل البرئ والطفل والمرأة والراهب كما يقول د. عبد الصبور شاهين الأستاذ في كلية دار العلوم
3-إن المقاصد الأساسية التي أوجد الله من أجلها الإنسان هي الحوار – كما قال شيخ الأزهر
4-التعصب ممقوت ولا يلجأ إليه إلا من انطمست بصيرته ومن لا يفهم في الدين ولا الدنيا
5-الإسلام يعتبر أن قتل نفس واحدة يساوي قتل البشرية جمعاء
6-وجود سفهاء وجهلاء ينشرون التطرف والمفاهيم الخاطئة عن الإسلام أمر يتطلب المواجهة
7-يجب على أمريكا أن تستقي معلوماتها عن الإسلام من مصادره الصحيحة.
فما هو الحق الذي حرّم الإسلام قتل النفس بدونه ؟ فالمعروف في الفقه الإسلامي أن الإنسان يُقتل إذا قتل مؤمناً عمداً، إلا إذا قبل ذوو المقتول الدية. ويُقتل كذلك إذا قطع الطريق ونهب بالسلاح فيطبّق عليه حد الحرابة ( القتل أو الصلب أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي). ويُرجم المحصن إذا زنى. وأضاف الفقهاء كذلك قتل شاتم الرسول والمرتد عن دينه. والثلاث أسباب الأخيرة لا دليل عليها في القرآن. فالقرآن يقول: "من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً" ( المائدة 32) وكذلك: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئاً ومن يقتل مؤناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها" (النساء 92-93) وكذلك: "يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى" (البقرة 178). فالسيد القمني لم يقتل نفساً مؤمنة أو غير مؤمنة، ولم يزنِ ولم يقطع الطريق ولم يشتم الرسول ولم ينشر في الأرض فساداً، فما هو الحق الذي من أجله أرادت جماعة الجهاد قتله ؟ فقد قالت الجماعة المذكورة إن كتابات السيد القمني تمثل إرتداداً وكفراً. وهناك إشكالان في هذه التهمة:
أولاً: ما هو حكم الارتداد في الإسلام ؟ ليس هناك أي حكم في القرآن على المرتد فالقرآن يقول: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين" ( آل عمران 144). وكذلك: "يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين" (المائدة 54). وكذلك: "فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون " (الشعراء 216). وكذلك: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون" ( المائدة 105). فحتى إذا سلمنا أن سيد القمني قد ارتد، فالقرآن يقول إن من ارتد فلن يضر الله شيئاً، وسوف يأتي الله بقوم يحبهم إذا ارتد المؤمنون. والقرآن يقول صراحة للمؤمنين: عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل. فالذي يرتد أو يضل لن يضر الله ولن يضر المؤمنين، حسب قول القرآن، فلماذا القتل ؟ اعتمد الفقهاء في قتل المرتد على ما فعله الخليفة أبو بكر عندما ارتدت القبائل العربية زرافاتٍ ووحدانا بعد موت الرسول فحاربهم أبو بكر بلا سند من القرآن أو الصحابة. ثم اعتمدوا على حديث يقول: " من بدل دينه فاقتلوه ". فهل من العقل في شئ أن ننسخ أحكاماً واضحةً في القرآن بما فعله أبو بكر أو بحديث زعموا أن النبي قد قاله في تضارب واضح مع صريح القرآن ؟
والإشكال الثاني: حتى لو قبلنا أن جزاء المرتد هو القتل، هل تحكم الجماعات الإسلامية على الشخص دون محاكمة عادلة ودون أن يثبتوا الجرم. أليس الإنسان بريئاً حتى تثبت إدانته؟ فقد قال السيد شاهين في النقطة الثانية أعلاه: القرآن يمنع قتل البرئ والطفل والمرأة ... فلماذا لا تقدّم هذه الجماعة السيد القمني إلى محاكمة ليثبتوا ردته ؟ أو لماذا لا تناظر هذه المجموعة المسلمة الحريصة على انتشار الإسلام والدفاع عنه السيد القمني وتفند أقواله وتثبت خطأ ما ذهب إليه؟ ألم يقل شيخ الأزهر إن المقاصد الأساسية التي أوجد الله من أجلها الإنسان هي الحوار ؟
فهذه المجموعة أبت إلا أن تأخذ على عاتقها فرض الإسلام على الناس بالقوة والإرهاب وقتل من تعتقد أنه مرتد لأنه كتب مقالاً أو كتاباً لم يعجبهم، فلماذا صمت شيخ الأزهر صمت القبور ولم يدن هذه الأفعال المشينة والضارة بسمعة الإسلام وهو القائل: " التعصب ممقوت ولا يلجأ إليه إلا من انطمست بصيرته ومن لا يفهم في الدين ولا الدنيا " فهذا هو التعصب الذي يؤدي إلى الإرهاب وإلى القتل، ولكن صمت شيخ الأزهر يعطي النور الأخضر للمتعصبين بالتمادي في تعصبهم وإرهاب الفكر الحر. أليس الصامت عن الحق شيطان أخرس، كما قال أبو علي الدقاق ؟ قد سبق أن قال شيخ الأزهر د. طنطاوي في مقابلته مع السناتور الأمريكي جون كيري: " وجود سفهاء وجهلاء ينشرون التطرف والمفاهيم الخاطئة عن الإسلام أمر يتطلب المواجهة ". فلماذا لا تواجههم يا شيخ الأزهر بقول الحق إذا كان الإسلام فعلاً يعتبر أن من قتل نفساً واحدةً فكأنما قتل الناس جميعاً ؟ أم أن ما قلته عن المواجهة كان " كلام جرائد " لإرضاء الأمريكان ؟ وإذا لم تواجههم يا شيخ الأزهر ألا يحق لأمريكا أن تستقي معلوماتها عن الإسلام من أفعال المسلمين الإرهابية وتفجيراتهم في لندن ومدريد وتركيا والعراق، وليس من مصادر الإسلام الصحيحة، كما طلبت منهم في مقابلتك مع السناتور جون كيري ؟ فالأزهر هو مصدر الإسلام الصحيح بالنسبة لغالبية المسلمين، فإن صمت المصدر عن قول الحق، فهل نستطيع أن نلوم أمريكا أو غيرها إن استقوا معلوماتهم عن الإسلام من أفعال المسلمين ؟
ومن الغريب أن جماعة الجهاد المصرية كانت قد أدانت تفجيرات الأزهر التي حدثت في أبريل الماضي علي أساس أنها تشوه سمعة الإسلام، فقالوا في البيان الذي حمل توقيع نبيل نعيم: " أية مصلحة يرجوها من هم وراء الانفجار المستنكر الذي لم يخلف سوى القتل والدماء والخراب، وإن كان حقق أية مصالح فهي مصالح أعداء الدين وأعداء الوطن الذين يتربصون بنا ويقعدون لنا كل مرصد ." ثم أضافوا بعد أن أكدوا رفضهم واستنكارهم وإدانتهم لهذا التفجير " الذي لا يقره شرع ولا مستند له من المنطق والعقل ولا المصلحة، فإن الإسلام لا يقر قتل الأبرياء ولا إراقة الدماء المعصومة. فقد اتفق العلماء قديماً وحديثاً على تحريم قتل النفس المعصومة بغير حق، يستوي في ذلك أرواح المسلمين وغير المسلمين المستأمنين، كما اتفقوا على تحريم الأموال المعصومة سواء كانت مملوكة لمسلم أو غير مسلم". وأشار البيان إلى قول الله تعالى: "ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم" (الفتح - 25). كما أشاروا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يوم عرفة في أصحابه: " إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ". ( الشرق الأوسط 11 أبريل 2005). فماذا حدث لحرمة أموال ودماء المسلمين وغير المسلمين المستأمنين ؟ وماذا حدث لسمعة الإسلام من تهديدهم بقتل سيد محمود القمني ؟ ألا يخشون أن تصيبهم معرة بغير علم من تهديداتهم هذه ؟ مرة أخرى يُثبت الإسلامويون أنهم يقولون ما لا يفعلون، ولكنها ثقافة الانفصام.
والمدهش كذلك هو ما قاله محامي جماعة الجهاد، منتصر الزيات، حينما اسبعد تهديد الجماعة لسيد القمني، إذ قال: "في ذروة الصراع بين الدولة والإسلاميين في مصر لم يتعرض لمحاولة اغتيال سوى ثلاثة هم الأديب نجيب محفوظ والكاتب فرج فودة والصحافي مكرم محمد أحمد، مشيراً إلى أنه في ظل حالة المراجعات داخل «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» والضعف الذي تعرضت له التنظيمات الأصولية المصرية لا يمكن أن تفكر جماعة «الجهاد» أو غيرها في اغتيال أحد من الكتاب أو المفكرين الآن". ثم أضاف: "الدكتور سيد القمني ليس بقامة نجيب محفوظ أو فرج فودة." ( الشرق الأوسط 17 يوليو 2005). ويالها من صفاقة! السيد المحامي الذي يُفترض فيه حمل راية القانون وإعلاء كلمته، يستبعد أن تقتل جماعة الجهاد سيد القمني لأنه ليس بقامة نجيب محفوظ أو فرج فودة. فجماعة الجهاد تقتل فقط الذين يتربعون علي قمة هرم الفكر الحر ولا تقتل من هو دونهم. ويبدو أن السيد المحامي هو الذي يحدد لهم من هم أصحاب القامات العالية، لأن جماعة الجهاد أنفسهم ليس لديهم الوقت الكافي لقراءة كل ما يكتب المفكرون الأحرار. فوقتهم مشغول بتدبير كيفية الاغتيالات.
أما بالنسبة للسيد القمني نفسه فإني أتعاطف مع قراره بالاستجابة لمطالب الفئة الضالة وخفافيش الظلام الذين يعشو أبصارهم نور العقل والفكر الحر، فهم يقصدون ما قالوا وليس من حقنا أن نطلب من الدكتور سيد محمود القمني أن يتجاهل مصالح عائلته ويُأتم أطفاله من أجل أن يُثبت لنا أن المفكرين الأحرار لا يرضخون لتهديدات المتعصبين، فقد أثبت لنا، إن كنا نحتاج للإثبات، كثيرون غيره منذ أيام الدولة الأموية. والخاسرون في كل هذه المجابهات هم الأطفال الذين يُقتل أبوهم. ولهؤلاء الأطفال حقوق على أبيهم
أهمها الحفاظ علي حياته من أجلهم.


أحمد أبو مطر: إستقالة القمني إدانة لنا جميعا

د. إحسان الطرابلسي: أنا ما ليش دعوة

عادل حزين: سيد الفمنى ليس جبانا

نبيل شرف الدين: القمني يتبرأ من أفكاره بعد تهديده

كمال غبريال: العظيم سيد القمني والبيان القنبلة

د. شاكر النابلسي: سيّد القمني: بئس المفكر الجبان أنت!


فالح الحمراني: مع الاعتذار للدكتور النابلسي: دعوة سيد القمني للشنق مرفوضة

فالح الحُمراني: تضامنا مع سيّد القمني


سعد صلاح خالص: وترك الفارس الحصان وحيدا.. كلمات الى سيد القمني