بلال خبيز من بيروت: قوبلت عملية خطف حزب الله جنديين اسرائيليين وقتل وجرح عدد من الجنود لبنانياً بموجة من الفرح. المفرقعات اخذت تحتل سماء العاصمة بيروت، وبعض السياسيين، خصوصاً الموالين لسورية، اخذوا يهنئون الشعب اللبناني بالنصر المجيد الذي حققته المقاومة على العدو الإسرائيلي. حزب الله بهذا المعنى يضرب ضربة معلم. ففي وقت لا يظهر في الأفق ما يشير عربياً

ردود الفعل العربية والدولية على عملية حزب الله

حزب الله لتبادل الاسرى وأولمرت يرفض

هجوم جوي وبري اسرائيلي على الاراضي اللبنانية

الفلسطينيون يباركون عملية حزب الله

القسام تتوعد برد قاس ووفاة مسؤول في لجان المقاومة الشعبية
حماس تنفي إصابة قائد القسام في غارة وعباس يهدد بالاستقالة

سفن حربية حديثة من واشنطن لإسرائيل


مقتل 6 فلسطينيين في غارة إسرائيلية على غزة

إلى اي تحرك فاعل لوقف العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، يتدخل حزب الله طرفاً في هذا الصراع داعماً الفلسطينيين من جهة اولى وموسعاً رقعة الصراع، مما يجعل الحريق كبيراً إلى درجة لا يمكن التغاضي عنها عربياً ودولياً.

من المبكر الحديث عن تحقيق نصر في هذه المنازلة الجديدة لأي طرف من الاطراف، وان كان حزب الله اثبت انه يستطيع ان يكون شوكة حقيقة في حلق الجيش الإسرائيلي إذا ما قررت القيادة السياسية في اسرائيل توسيع رقعة الرد وشموليته. لكن المنازلة بدأت لتوها ومن المبكر الحديث عن انتصارات وتسجيل نقاط.

لا يبدو الرد الإسرائيلي داخلياً على المستوى السياسي فقط بما يعني انه يتعلق حصراً بمحاولة رئيس وزراء اسرائيل ايهود اولمرت الدفاع عن شعبيته امام التحديات الامنية التي تجبهه فيها حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني.

بطبيعة الحال ثمة جانب من جوانب القضية يتعلق باختبار زعامة اولمرت ومقدرته على الحزم والنجاح في تحقيق الأمن للإسرائيليين. لكن مقدمات الاحداث في غزة وفي لبنان تشير إلى نية اسرائيلية اصلية في توسيع رقعة الرد، وهو ما كان يعرفه حزب الله حق المعرفة، وما اصبح متداولاً على المستوى اللبناني، حيث سبق للصحف ان سربت خبر اعلان السيد حسن نصرالله امين عام حزب الله امام طاولة الحوار اللبناني غداة انطلاق العملية الإسرائيلية في قطاع غزة، بالقول ان لا نية لدى الحزب في توتير الاجواء في الجنوب بسبب دقة المرحلة وخطورة الأوضاع، وهو ما سمي اتفاقاً على انجاح الموسم السياحي. لكن حزب الله فاجأ الوسط السياسي اللبناني بعملية نوعية كان يعرف ان اقل نتائجها كارثية على المستوى اللبناني سيكون خراب الموسم السياحي الواعد الذي تأمل به اللبنانيون. فمثل هذه المغامرة، وهي مغامرة بالفعل، تفترض ان توسيع رقعة الحريق ستمنع المجتمع الدولي من تجاهل ما يجري في فلسطين ولبنان على حد سواء.

رد حزب الله على الهجوم الإسرائيلي على غزة والشعب الفلسطيني، يندرج بحسب ادبيات حزب الله والمتحالفين معه في لبنان في خانة الرد على الصمت والعجز العربين حيال ما يجري في فلسطين. وهذا في حد ذاته مصدر فخر لدى فئات واسعة من الشعب اللبناني والشعب العربي عموماً.

لكن هذا الرد له وجه آخر لبناني داخلي، فالبلد ما زال يحبو في محاولة حل معضلاته المستعصية، وما زال حتى اليوم يعاني من آثار الحروب الإسرائيلية عليه، ومن نافل القول ان لبنان بين الدول العربية المجاورة لإسرائيل هو بلد حققق انتصاراته وانجازاته في تحرير ارضه واسراه، مما يدعم اتجاهاً لدى فئات واسعة من اللبنانيين يدعو إلى المحافظة على هذا الإنجاز والالتفات نحو معالجة الازمات الداخلية في السياسة والاقتصاد. وهذه من الامور التي تقع في صلب ما يجتمع عليه المتحاورون وحزب الله في مقدمهم. لذا يبدو الامر على المستوى اللبناني كما لو انه دخول منفرد عربياً واسلامياً على خط الكوارث. فمما لا شك فيه ان نتائج الهجوم الإسرائيلي على لبنان والذي من المرجح ان يمتد زمنياً إلى امد غير منظور، وان يكون شاملاً وعنيفاً، ستكون هائلة الكلفة على الشعب اللبناني في أمنه واستقراره وازدهار اقتصاده واعماله، فضلاً عن الخسائر في الأرواح التي يمكن ان يصاب بها هذا البلد الذي لم تلتئم جروح اهله بعد. مما يعني ان العملية الجريئة التي قام بها حزب الله سيكون لها بعض الأثر الإيجابي على الوضع الفلسطيني عموماً لكنها ستعود بالضرر الكبير على البلد نفسه.

لهذا، وامام هذه المفارقة المرعبة تبدو الإدارة اللبنانية في حال من الإرتباك مرشح لأن يتصاعد في الايام المقبلة. فمن ناحية اولى ثمة شعور بالغضب من العجز العربي والانصراف الدولي عن نصرة الشعب الفلسطيني وتستوجب من اللبنانيين ومن غيرهم تحركاً فاعلاً لنصرة الشعب الفلسطيني، وثمة من ناحية ثانية مغامرة تضع لبنان على حافة الهاوية. وفي الحالين يبدو لبنان مكتوف الايدي، فهو من ناحية اولى لا يستطيع ان يبقى متفرجاً على الحريق الفلسطيني، وإذا ما دخل طرفاً في الصراع وهذا ما حصل فعلاً، فإن الحريق الذي سيطاوله سيكون اعم واشمل من الحريق الفلسطيني.

يترافق هذا الارتباك الموضوعي الذي تواجهه الحكومة اللبنانية بشعور سياسي عام مفاده ان الوضع الدولي في غير صالح لبنان على الإطلاق، ولم يعد خافياً ان اسرائيل دخلت في هجومها على لبنان في طور من اطوار تغيير شروط اللعبة مع حزب الله وسورية وايران، مستندة إلى وضع دولي صامت امام اعتداءاتها ان لم نقل مؤيداً تماماً. وهذا يعني في طبيعة الحال ان لبنان موضوع اليوم تحت خط النار برمته من دون اي ضمانات من اي نوع.

الحكومة اللبنانية ستجد نفسها في القريب العاجل عاجزة في الدبلوماسية وحتى غير قادرة عن الدفاع عن بلدها ضد هذا الاجتياح الإسرائيلي، مثلما هي عاجزة عن تقرير مسار الأمور من الجهة اللبنانية، فحتى وقف النار من الجهة اللبنانية ليس قراره في يدها كما بات معروفاً. إذ يبدو واضحاً ان الاتفاق على وقف النار وحصر العمليات العسكرية بات ورقة في يد سورية وايران وهو الأمر الذي يذكر بسنوات التسعينات من القرن الماضي حين كانت الحرب على لبنان والمفاوضات على سورية بحسب ما قضت قسمة العمل السورية في اعباء التصدي للعدو الإسرائيلي.

إذا ما قدر لهذا الهجوم ان ينتهي بوقف اطلاق نار سريع على نحو ما، فإن النتائج المباشرة لبنانياً ستكون قطعاً لدابر الحديث عن لبنانية حزب الله والتزامه الخط العام للمصلحة اللبنانية كبلد ووطن لكل بنيه. حزب الله انتقل منذ اليوم إلى المستوى العربي والإسلامي الأعم على نحو لا لبس فيه ولم يعد ثمة شكوك تلابس احداً حيال هذا الأمر، وهو بهذا المعنى ذهب في مغامرته إلى غير رجعة لبنانياً وليس امامه إلا الصمود وتحقيق نصر ما، ليتسنى له ان يعود لبنانياً وفاعلاً على مستوى ما هو مشترك بين اللبنانيين من بوابة انتصاره العربي والإسلامي.